صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

بين جعفر ميرغني.. والتجاني الكارب!!

315

حديث المدينة

عثمان ميرغني
بين جعفر ميرغني.. والتجاني الكارب!!

 

‏‏‏‏
رجلان أعتز – جداً – بصداقتيهما، فهما مدرستان مُتفرِّدتان يختلفان في التّخصُّص ويتّفقان في عمق العلم والخبرة والتجربة والفكرة.
الأول: الدكتور جعفر ميرغني، وهو غَنيٌّ التّعريف.. دائماً عندما أزوره لا أَنسى اصطحاب الكمبيوتر اللوحي )آيباد(.. لأدوِّن كُلّ كلمة وأحياناً بالصّوت والصُّورة.. ولا أقاطعه مَهمَا امتدّ الزمن وعَادَةً هو من يبتدر وينتقل من مَوضوعٍ إلى آخر بمُنتهى السّلاسة.. في لقاءٍ قريبٍ زارني بصحيفة “التيار” وامتدّت الجلسة بوجود بعض زملائي من هيئة التّحرير لأربع ساعات مَرّت كأنّها أربع دقائق )دوّنت كتابةً ما قاله وسأنشره في التيار(.. جعفر ميرغني ليس مُجرّد أكاديمي ومُؤرِّخ ومُفكِّر فحسب، بل أنعم الله عليه بعقل )هندسي( مُتفتِّح قادرٍ على استنباط الحُلُول واستلهام الرؤى.. وأمثال جعفر ميرغني مَوقعهم الحَقيقي يجدر أن يكون فِي صَميم عَقل الدولة الاستراتيجي.
الرجل الثاني: الأستاذ التجاني الكارب، وهو أيضاً من نُجُوم المُجتمع السُّوداني المَعروفين.. الكارب يَمتلك رصيداً هائلاً من المعلومات التوثيقية وأكثرها إدهاشاً ما كان هو شاهد عيان عليه.. مواقف تاريخيّة مفصليّة في مُختلف العُهُود التي مَرّت بالبلاد.. بعض شهاداته نشرناها في “التيار” في عدة مُناسبات أشهرها روايته حول اعتقال ثُمّ مُحاكمة وإعدام العميد محمد نور سعد.
أمس؛ جَمعتني بأستاذنا الكارب جلسة رائعة بمكتبه، حَكَى لي فيها قصةً مُثيرةً للدَّهشة ولكنها ذات دلالات مُهمّة للغَاية.. صُورة بالرّنين المغناطيسي للعقلية السِّياسيَّة السُّودانية.
سَأنشر لكم تفاصيل القِصة خلال الأيام القادمة بإذن الله )لحاجتي الرجوع إلى دار الوثائق القومية لتدقيق التّواريخ وبعض التّفاصيل(.. لكني اكتفي اليوم بالمُختصر المُفيد.. فالقصة تصلح لتكون في سياق فِيلم سَينمائي )روائي وليس وثائقياً( من فَرط إثارتها ومَدلولاها.
الواقعة جَرَت في قُبّة الإمام المهدي بأمدرمان خلال غليان مرجل مظاهرات ثورة أكتوبر 1964، اجتماعٌ حاشدٌ ضمّ كل الزعامات السودانية من كل الطيف السِّياسي وترأسه الإمام الهادي المهدي زعيم حزب الأمة.
ربما يذكر الكثيرون ذلك الاجتماع، لَكِنّ المُثير للدَّهشة وقائع ما جَرَى بين السّيدين بابكر كرار وعبد الخالق محجوب )رحمهما الله(.. تغيّب عبد الخالق عن الاجتماع فَطَلبَ بابكر كرار أن يذهب من يحضره من منزله )بحي الشهداء( فذهب الرسول وعَادَ بدُونه لأنّه نائمٌ ورفض أهل بيته إيقاظه.
أصر بابكر كرار أن يذهب الأستاذ عمر فاروق شمينا لأنّه صديق لعبد الخالق وأهل بيته، وفعلاً نجح شمينا في إحضار عبد الخالق للاجتماع.. رأي الزعماء تَكوين لجنة مُصغّرة تَجتمع فوراً في بيت قريب من قبة المهدي لصياغة وثيقة وطنية… وهنا حدثت المُفاجآت.. سأرويها لاحقاً لكن الخلاصة أنّ الشعب الذي كان )يهدر في الشّوارع كالسُّيول(.. نَجَحَ في اقتلاع نظام عبود، بينما السّاسة الذين التأم مَجلسهم في قُبّة المهدي فشلوا في إكمال اجتماعهم.. ليس بسبب الخلافات بل )المكاواة(!! أي والله )المكاواة(..
ويبقى الحال على ما هو عليه.. رغم مُرور أكثر من نصف قرن.!!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد