(1)
سبحان مُغيِّر الأحوال من حَالٍ إلى حَالٍ، فبعد أن كانت جداول التصعيد الجماهيري من تظاهرات ووقفاتٍ احتجاجيةٍ ومسيراتٍ وإضراباتٍ واعتصامات والذي منه، أطلّ علينا يوم الأحد الرابع من أغسطس جَدولٌ مُختلفٌ يُحَدِّد لنا يوم التوقيع النهائي على الاتفاقية التي سوف تتحكّم في الفترة الانتقالية، ثُمّ يوم إعلان مجلس السيادة، ثُمّ يوم تسمية رئيس الوزراء، ثُمّ يوم تعيين الوزراء، ثُمّ يوم بداية عمل الحكومة في الفاتح من سبتمبر، فسبحان مُغيِّر الجداول من جداول إلى جداول، وقبل أن نُقارن بين الجدولين، لا بُدّ لنا من وقفة أمام جداول التصعيد والدور الذي لعبته، فَهُنَاك من يراها أنّها سَبَب فَرض الحُكومة المَدنيّة، أي أنّها هي التي (فلفصت) الحكم من العساكر، وهُناك من يراها أنّها سبب تأخير الدُّخول في الفترة الانتقالية، وأنّها تَسَبّبت في زيادة عدد الشهداء، ولكن في تقديري أنّها تحتاج لدراسةٍ مُتأنِّيةٍ ومُتَجَرِّدة حتى تُقَيّم تقييماً موضوعياً لتأخذ المكان الذي اللائق بها في تاريخ السودان.
(2)
الواضح أنّ العساكر عندما أزاحوا البشير في 11 أبريل، كانوا يُريدون التّواصُل مع كل الأحزاب، بما فيها تلك التي كانت مُشتركة في العَهد السَّابق، لكن التّصعيد الجَماهيري أجبرهم على التّفَاوُض مع قِوى الحُرية والتّغيير فقط، ثُمّ سعى العساكر لشراكة قحت (فيفتي فيفتي)، ولكن الضغوط الجماهيرية جعلتهم يتنازلون للمدنية بالكثير، وبالتالي يُمكننا القول إنّ التصعيد الجماهيري لعب دَوراً مَفصلياً في الوصول لاتفاقية الرابع من أغسطس وبالتالي لحكومة الفاتح من سبتمبر (للحي البعيش)، لكن دُون شَك هُناك ضُغوطٌ أُخرى خارجية إقليميّة ودوليّة أسهمت هي الأُخرى في تَرَاجُع المجلس العسكري، كما أنّ التصعيد الجماهيري لَم يَكن مَجّاناً، بَل كَانَ بتضحيةٍ من أرتَالٍ من الشهداء الكرام.
(3)
المُهم في الأمر، إنّه الآن قد انقضت جداول التصعيد بما لها وما عليها، ودخلت البلاد في جدول تحديد خطوات إكمال أجهزة الحكم، فإن كانت جداول التّصعيد في مُواجهة الآخر، فإن جداول الحكم ستكون في مُواجهة الذات، بذا يكون الجهاد الأصغر قد انتهى بالنسبة لقحت، وبدأ الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس.. فإن كانت قحت مُتّفقة على المباديء والبرامج والإجراءات، فالآن جاء دور اختيار الأشخاص وهي عملية قد يظنها البعض سَهلةً، ولكنها سوف تكون في غاية الصُّعوبة لأنّه على الأشخاص سوف يتوقّف مصير الفترة الانتقالية، حكاية أنّ الأحزاب المُكَوّنة لقحت من أمة واتحادي ومؤتمر سوداني وشيوعي أعلنت زهدها في تولي مَناصب في الفترة الانتقالية لا يعني أنّها سوف تتفرّج على اختيار الشُّخوص الذين سوف يُديرون هذه المرحلة، بل سيكونوا مُتحكِّمين فيهم عن طريق الفيتو الذي يَملكونه، بمعنى سَيكون تدخُّلهم سلبياً مِمّا يصعب المُهمّة، وغداً سوف نسمع بترشيح فلان وقد اعترض عليه الحزب الفلاني، ثُمّ دُون شك أن لكل الأحزاب كوادر غير ظاهرة أو أصدقاءً غير مُعلنين سوف تلزهم نحو تلك المناصب، فالمُؤكّد أن معركة داخلية حامية الوطيس سوف تدور داخل قحت عنوانها (مَن رشّح مَن؟).. ونسأل الله تعالى ألا تصل مرحلة كسر العظم..!