:: يناير العام الفائت، كان الرئيس المخلوع قد أعلن الطوارئ لجمع السلاح ومنع التهريب وتجارة البشر وغيرها موبقات العالم الثالث (والأخير طبعا).. وبعد أسبوع من إعلان طوارئ، أصدرت السلطات الولائية بكسلا قراراً بإغلاق جميع المعابر الحدودية مع إريتريا.. ويومها لم تعكر الطوارئ بكسلا صفو الحياة ولم تصادر حريات الناس ولم تعطل مناسباتهم الخاصة والعام، ولم تغلق أسواقهم وشوارعهم، ولكنها حاصرت من لا يتقنون من المهن غير النهب والتهريب!!
:: ولكن اليوم، تم فتح الحدود مع إريتريا.. ورصدت تصريحا غاضباً لقيادي بوزارة التجارة الخارجية على هذا الاتفاق، بحيث يقول د.عيسى شاطر: (الاتفاق على فتح الحدود ليس من اختصاص ولا مهام المجلس العسكري الانتقالي، ولا خبرة له في سبل استئنافها، ولا ينبغي له تمثيل السودان وإبرام اتفاقيات باسمه إلى حين إعلان تشكيل الحكومة رسمياً بالبلاد، ومثل هذه الاتفاقيات تتم عادة ببروتوكولات يتم الترتيب لها عبر الإدارة الفنية المعنية بوزارة التجارة الخارجية فقط)!!
:: غضب د. شاطر مشروع، بحيث لم يغضب الرجل على فتح الحدود مع إريتريا، ولا على تجارة الحدود مع الدولة الجارة، ولكنه غاضب على تهميش وزارة التجارة الخارجية في أحد ملفاتها.. كان على المجلس العسكري أن يكتفى بتوجيه وزارة التجارة بالنظر في الأمر، تاركا لها الإجراءات الفنية.. من آفات النظام المخلوع (عدم المؤسسية)، واحتقار السلطات السياسية والسيادية – وتهميشها – لمهنية المؤسسات المختصة، ومن الخطأ أن يمضي المجلس العسكري على ذات الخطى!!
:: والمهم.. نعم فتح الحدود مع إريتريا يُنعش اقتصاد البلدين ويُنشط الحركة التجارية (المحدودة)، ويساهم في خلق فرص عمل.. ومع الترحيب بفتح الحدود مع إريتريا، هناك محاذير منها عدم العودة إلى سنوات الفوضى وأسباب الإغلاق، بحيث كانت هذه الحدود (مستباحة).. نعم، فالحقيقة المرة هي أن حدود البلد بكسلا كانت من مصادر الفوضى والعبث.. ومع قرار فتح الحدود، ما لم يتم بسط هيبة الدولة بقوة القوانين، فلن تهنأ الحدود بالسلام ولا الأسر بالأمان!!
:: مصالح المجتمعات المتجاورة يجب أن تحفظ الحدود من معكرات الصفو.. والشاهد أن متاعب حدودنا مع دول الجوار في السنوات الفائتة هي التي أفقرت ديارنا الحدودية وأخلتها من سكانها وجردتها من الإنتاج.. وتعمير تلك الديار بحيث تعيد بعض سيرتها الأولى بحاجة إلى كثير (مال وأمان).. واليوم بفضل الله، حلت على حدودنا مع كل دول الجوار محطات الكهرباء وأعمدتها محل معسكرات الجيشين وأسلحتهما، وهذا ما يجب أن يكون مدخلاً نحو استقرار المجتمعات الحدودية!!
:: وكذلك تمددت طرق الإسفلت إلى حيث تلاقي الشعوب ومصالحها التجارية، وهي التي كانت تمضي إلى حيث القتال واستنزاف الموارد، ويجب استغلال هذه الطرق بحيث تؤدي إلى التنمية والعمران، وحتى يصبح الوجدان الشعبي أقوى من عوامل العزلة.. والحدود المثالية هي التي تساهم في إستقرار المجتمعات وإنتاجها وتجارتها وتصاهرها، وبها تطوي ملفات الحرب والنزوح والتهريب!!