تأكدت تماما كما تأكد الكثيرون غيري، وقلتها مرات ومرات ولا بأس من إعادتها مرات أخرى أن واحدة من أكبر مشاكل السودان هي )إنسان السودان( نفسه.
النظام الحاكم يلعب الدور الأكبر في كوارث البلد ما في ذلك شك، ولكن انقسام السودانيين فيما بينهم، وعدم اتفاقهم على أمر واحد هو الخطر الكبير الذي يواجه مستقبل البلد. تأكدت تماماً أننا شعب يعشق التنظير والافتاء في )البعرفه والما بعرفه(، فالجميع متفق على سوء النظام وتسببه في الأزمات التي يعيشها الوطن، ومن ثم فشله في انتشال البلاد من الحفرة التي حفرها ودفن فيها المواطن بسوء سياساته في جميع المجالات، وخروقات الدستور وانتهاك القوانين وغيرها.
ولكنه وفي ذات الوقت ظل عدم الاتفاق على طرق مقاومة هذا الوضع من قبل المواطنين وأحزاب المعارضة سبباً مباشراً في استمرار الفشل ليستمرأ النظام الضغط على )رقبة( وعرقوب المواطن.
خلاف المعارضة وانقسامها يشير إلى بؤس الحال واستطالة عمر النظام، وأننا أمام واقع مخيف ومستقبل مظلم للمواطنين والمعارضة على حد سواء، خاصة والوطن يعيش أسوأ فتراته عقب القرارات الاقتصادية الكارثية وما صاحبها من تداعيات نشهدها اليوم من أزمات في المعيشة حتى بات اسم السودان )وطن الصفوف(.
فالأحزاب انقسمت فيما بينها إبان المفاوضات حول وثيقة خارطة الطريق، ليبقى فرز )الكيمان( ما بين قوى الإجماع الوطني ونداء السودان، وما بينهما تضيع آمال وأحلام مواطن ظنَ خيراً في المعارضة وأنها الخلاص الذي عجز عنه طويلاً، ولكن الأحزاب وبدلاً عن استغلالها للفرصة التاريخية للانقضاض على النظام عقب القرارات الأخيرة، وتداعيات انهيار الجنيه السوداني والمجاعة التي أضحت على بعد خطوات، وبينما تنتظر القواعد من أحزابها التوافق والاتحاد أمام الخصم الشرس، نجدها بكل أسف وقد استغلت الفرصة بدلاً عن ذلك، للانقضاض على بعضها، ومقاطعة أنشطة بعضها البعض، والنيل من بعضها البعض في كل سانحة.
المواطن ينتظر )قوة الدفع( المتمثلة في المعارضة ليخرج ويعلن رفضه للوضع الذي فرضته الحكومة، ولكن المعارضة نفسها يبدو أنها تبحث عن قوة دفع رباعية لتكون في الموعد، فتركت القضية في يد حزب واحد أو اثنين يقومان بتعبئة الجماهير للمقاومة السلمية وإجهاض القرارات الكارثية، وعودة السودان إلى ما قبل انقلاب 89
الإعلام نفسه دخل في دوامة انقسام المعارضة وغيَ الحكومة، فغاب عن المؤتمرات الصحفية للمعارضة بحجة )تكرار ذات الكلام(، الإعلام أوشك أن يكون انتقائي. فإعلامنا يتحدث بلا حياء عن ارتفاع أسعار السلع الوقود في الجنوب وعن الفساد في جوبا، ويغض الطرف عن زيادات السودان.
ولعل ما شاهدناه من بعض إعلامنا إبان الأحداث الأخيرة والتي شهدتها شوارع السودان، يفرد المساحات الضخمة للمظاهرات التي انتظمت بعض المدن الاوربية والعربية، وتصمت منكسرة أمام مظاهرات السودانيين احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية ولا تشير إليها بحرف، إنها صحافة التدليس والدهنسة لخطب وُدَ السلطان، وضرب المواطن في مقتل.
ما لم تتغير نظرة أحزاب المعارضة لبعضها، وما لم تضع مصلحة الوطن في قمة أولوياتها، وما لم يقتنع المواطن نفسه أن التغيير يبدأ به أولاً، وما لم يتحرر من نزعة الخوف والتكلَس التي أصابته، فلا مفر من استمرار ذات الأوضاع السيئة إلى الأسوأ، وحتماً سيستمر ركوب الحكومة ظهر المواطن الذي أصبح منحينا.