في كل عام يخرج المراجع العام علينا بتقرير ..يحرص فيه على ذكر اماكن القصور ومواطن الفساد والتجنيب للمال العام ..وكل عام تحتفي الصحف بالتقرير وتبرزه في المانشيت الرئيس ..وتفرد له صفحات كاملة ..ويتم تداول التقرير ..بالتمحيص والدراسة ..و و و و بس خلاص.
اعتدنا على تقرير المراجع العام ..واعتدنا اكثر على ذلك الصمت المريب الذي يخلفه ..فلا يقدم احد للمحاكمة ..ولا حتى تصدر قرارات بالمحاسبة ..حتى يساورك الشك بان هذه الاشياء تحدث في بلاد اخرى …ولا علاقة لنا بها من قريب أو بعيد ..هذه السنة قال المراجع العام ان هناك جهات سيادية لم تورد اي مبالغ الى خزينة الدولة منذ ثلاثة أعوام ..وذكر اسم وزارة الداخلية )شخصيا( قائلا انها ومنذ العام 2015 البلد )ما شافت منها احمر ولا أبيض (لاحظوا ان وزارة الداخلية لها اعداد لا يستهان بها من نقاط التحصيل في كل المرافق ..يبقى ما محتاجين نسأل )الازمة مكانا وين ؟(..
لكن الطريف ما حملته الاخبار ..والتي ربما تبعث على الابتسام ..قصة بعنوان )المرسال المشى وما جاء( ..ويعني ذلك ان خرجت النقود من مصدر رسمي ..وفي طريقها الى مقصدها ..تاهت في الطريق ولم تصل أبدا ..وبدأ الناس في البحث عنها تحت شعار )خرجت ولم تعد حتى الان ..اوصافها كالاتي مال عام عرضة للاختلاس مع امكانية التحلل(
تداولت الأسافير خطابين بولاية كسلا ..الاول من الجهة التي صدرت منها الاموال ..وهي تتساءل عن اخبار المبلغ الذي تم ارساله . ..بينما يرد المخاطب من الجهة الاخرى ..ان المرسال ما وصل حداهم ..ولا حتى سمعوا بي خبرو.. ولم تتم استلام اي نقود …يا جماعة الخير ..القروش دي رسلتوها في شوال ؟ ولا في شنطة حديد ؟ لابد تحددوا ..او حاولوا اتذكروا ..مشت بالبص ؟ ولا القطر ولا اديتوها لخالتي علوية ..تديها لي محاسن اختها البتمشي جنب الوزارة المعنية ؟؟ .هذا لعمري لا يحدث الا في السودان ..حاجة فريدة كدا من نوعها في عصر التقنية الرقمية والحسابات التي يتم تحويلها في لمحة عين وتصل الى مرادها من قبل ان يرتد اليك طرفك …والتي يمكن تتبعها والوصول الى نقطة تحركها ولو بعد حين .
في السودان فقط ..يختفي المال العام ..ولا تتم محاسبة او مجرد تتبع له ..وفي السودان فقط ..يتم ارسال النقود من محلية الى محلية في ذات الولاية ..لكن بقدرة قادر ..النقود تختفي ..في السودان فقط نضيف كل مرة طريقة جديدة للعب بالمال العام ..واختلاس المؤسسات الحكومية ..في السودان فقط يخرج كل عام المراجع العام ليتلو على الجميع تقريره الذي يفضح المخالفات في المال العام …ولا يجد حتى من يقول له )على من تقرأ زبورك ( ..في السودان فقط تنطبق علينا كلمات الأغنية بكل تفاصيلها )المرسال مشى وما جا ..والناس اللي كانوا سبب ..رموني وصبحوا فراجة(