تقدم عدد من أبناء إقليم دارفور السوداني ببلاغ في مواجهة رئيس جهاز الأمن السابق، صلاح عبدالله الشهير بـ«قوش»، وآخرين على خلفية اغتيال صحفي شهير في 2006، قبيل نشره مقالات تكشف إرسال حكومة «الإخوان» لمجموعة مسلحة- تدربت على يد الجيش الإيراني- للقتال مع ميليشيات «حزب الله» في لبنان.
وقال أحد الشاكين في البلاغ: إن لديهم بينات تقدموا بها بواسطة محاميهم، تكشف أن ميليشيات «حزب الله» اللبنانية وراء مقتل رئيس تحرير صحيفة الوفاق، محمد طه محمد أحمد، موضحا أن سبب اغتياله جاء بعد تهديده بنشر أسماء عناصر سودانية تابعة قاتلت في لبنان إلى جانب الحزب.
» تفاصيل الاغتيال
وفي تفاصيل واقعة اغتياله، تقول رواية تناقلتها وسائل الإعلام بعد اغتياله: «إن مجموعة مجهولة اختطفته من منزله بداية سبتمبر 2006، واصطحبوه في سيارة مظللة دون لوحات»، وعثر على جثمانه بعد يوم واحد بحي القادسية بمنطقة «الكلاكلة»، وقد تم نحره وفصل الرأس عن الجسد.
فيما تكشف الثانية ما حدث «إن عناصر جهاز الأمن الوطني، اغتالت الصحفي محمد طه بإيعاز من «قوش»، وذلك لسعيه لكشف ملابسات مشاركة مجموعات سودانية مسلحة، فيما عرف باسم حرب «تموز» التي جرت بين ميليشيات «حزب الله» اللبنانية والجيش الإسرائيلي.
ونشر محمد طه محمد أحمد على جريدة الوفاق التي يرأس تحريرها في مقاله الأخير بتاريخ الإثنين 4 سبتمبر: تم ترحيل مجموعات مسلحة سودانية سرا إلى لبنان للقتال إلى جانب «حزب الله» مقابل حصولهم على مبلغ مالي قدره 60 ألف دولار لكل فرد، وأضاف: استلم أفراد هذه المجموعة التي ينحدر معظم عناصرها من إقليم دارفور مبلغ 10 آلاف دولار أمريكي من الخرطوم، من أصل المبلغ المتفق عليه بين الحكومة «الإخوانية» الفاسدة والانتهازية والميليشيات اللبنانية.
» انزعاج «الإخوان»
ويقول الكاتب الدومة إدريس، في مقال سابق: هذا الأمر أزعج الحكومة «الإسلاموية»، لافتا إلى أن الصحفي محمد طه محمد أحمد وعد القراء بمواصلة كشف كل الحقائق، ما جعل السلطات تفكر في التخلص منه قبل نشر المقال الثاني الذي وعد فيه بكشف خيوط المؤامرة التي تقف وراءها الحكومتان الإيرانية والسودانية وحزب الله اللبناني.
ويواصل الدومة بالقول: بالفعل اغتالت عناصر جهاز أمن البشير المجرم، الصحفي طه بدم بارد! بعد أن تم اختطافه من أمام منزله نهارا جهارا؛ وهي تعلم بأن أصابع الاتهام لن توجه إلى السلطات، مرجعا سبب ذلك، إلى أن الصحفي سبق وأن كتب بعض المقالات سخرت في عادات بعض القبائل السودانية، ما دعا بعض أفرادها لحرق مقر الجريدة، دون أي تفكير في قتله.
ويواصل الدومة: لذلك رأى مسؤولون بجهاز الأمن أن الفرصة سانحة للتخلص من طه وتوجيه الاتهام فيما بعد إلى أفراد من تلك القبيلة زورا وبهتانا؛ على خلفية ما حدث، مشيرا إلى أن عدد المعتقلين بلغ أكثر من 210 متهمين، أعدم منهم تسعة وبرئ البقية.
» سبر أغوار
وكشف الكاتب أنه التقى بعض الجنود الذين أرسلوا للقتال في جنوب لبنان، وسبروا أغوار ما تسترت عنه الحكومة واغتالت طه قبيل الكشف عنه، لافتا إلى أنهم أكدوا له أن المجموعة تكونت من 165 فردا من سلاح المدفعية، تلقوا تدريبا متقدما في الراجمات ومنصات الصواريخ المتحركة تحت إشراف الجيش الإيراني، وأوضحوا له أن بقية مبالغ الارتزاق لم تسلم لهم أو لذوي المصابين والقتلى، البالغ عددهم 55 جنديا، وقيل لهم إن من تسلمها هي حكومة البشير.
وختم قائلا: أبلغت حكومة البشير قيادة ميليشيات «حزب الله» بتصفية جميع العناصر التي تمردت بعد رفض تسليمها مبلغ 50 ألفا المتبقي من المتفق عليه، وقالوا «إن عددهم كان 113 فردا، وتسللوا بعد علمهم بأوامر التصفية إلى بعض دول الجوار اللبناني ليعود بعضهم إلى السودان، ويستقر البقية في تلك الدول».
يشار إلى أن المحكمة أعدمت وقتها 9 أشخاص، وبرأت 10 في تلك الحادثة التي هزت المجتمع السوداني.
والصحفي القتيل كان عضوا في المكتب السياسي للجبهة الإسلامية القومية التي قادها الراحل د. حسن الترابي ورأس تحرير «الراية» الناطقة باسم «الإخوان»، ليختلف بعدها مع الترابي عراب «التنظيم» بالسودان، في مفاصلة رمضان الشهيرة في 1999 منشقا عن الترابي ومؤيدا للرئيس المخلوع عمر البشير.
» خزانة الأسرار
في المقابل، أكد الناشط الحقوقي، د. محمد شرفي، أن محمد طه كان عبارة عن «خزانة» من الأسرار التي تمس إيران وحزب الله انطلاقا من العلاقات الواسعة التي أقامها مع الجانبين بحكم وظيفته الصحفية التي مكنته من زيارة طهران عدة مرات التقى خلالها قيادات رفيعة هناك.
وقال شرفي: إن عملية الاغتيال التي تمت حملت سمات العمليات التي نفذتها إيران وحزب الله خلال السنوات الماضية، لافتا إلى أن السودانيين بطبعهم لا يقومون بتصفيات أو اغتيالات، ومثل هذه أمور تكاد تكون معدومة في تاريخ البلاد، وطالب الجهات العدلية بفتح هذا الملف لمعرفة الفاعلين الحقيقيين وفضحهم أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.
من جانبه، قال أستاذ الشريعة والقانون، النور يوسف النَور: إن الراحل كان يعبر لخاصته قبيل اغتياله عن قلقه، مبينا أن طه كانت بين يديه معلومات شاملة تكشف العمليات الإرهابية المشتركة لحكومتي الإخوان وإيران، ما أدى لاغتياله لعلم الجميع بجرأته ومواقفه الشجاعة.
فيما طالب المستشار القانوني، عبدالسميع عمر، الحكومة السودانية، بفتح هذا الملف الخطير، الذي ربما يكشف العلاقة بين نظامي الإخوان والملالي في تصفية مسؤولين سودانيين، وقال: جميعنا يعلم الظروف الغامضة التي صاحبت وفاة نائب رئيس الجمهورية المشير الزبير محمد صالح صاحب «الكاريزما» والمحبوب من الشارع السوداني، بعد سقوط طائرته في نهر السوباط بجنوب السودان في 13 فبراير 1998، إلى جانب عضو مجلس قيادة الثورة العقيد إبراهيم شمس الدين وآخرين.