مقولة (القانون حمار) الذائعة والشهيرة هي ترجمة للعبارة الإنجليزية (The Law is an ass)، وتنسب إلى وليام شكسبير، ولكن البعض ينسبها إلى الكاتب جورج تشابمان، في روايته (انتقام من أجل الشرف). وأياً كان مصدر هذه العبارة، فإن شيوعها وانتشارها يرجع إلى الروائي تشارلز ديكنز، في رواية (أوليفر تويست)، المنشورة سنة 1838م. والسبب وراء تلك المقولة هم رجال القانون الذين خلقوا منه حماراً واستغلوه كمطية وركوبة، مع كامل الاعتذار لهذا الحيوان الأليف الذلول المظلوم الذي ما فتئنا نشين سمعته، والواقع أن القوانين تحتاج في تطبيقها إلى حكمة من القائمين على تنفيذها من رجال القضاء، ولذلك، يقول الإنجليز إن (قانوناً سيئاً وقاضياً كفؤاً خير من قانون جيد وقاضٍ غير كفء).ومن الطرائف المروية في هذا الصدد أن الشرطة المكسيكية ألقت القبض على حمار اعتدى على رجلين، وحكمت عليه بالسجن في إحدى الزنزانات، وكانت جريمة الحمار المسكين أنه ركل رجلين في احدى المزارع، وكان تبرير الشرطة أن من يرتكب جريمة يتم سجنه، بغض النظر عمن هو انسانا كان أو حيوانا..
في الأنباء أن احدى محاكم الخرطوم الجزئية أصدرت حكمًا لصالح القيادي الشاب السابق بحزب المؤتمر الوطني المحلول المدعو اليسع عثمان ضد محلية الخرطوم، وقضى قرار المحكمة بالحجز على أموال المحلية لصالح اليسع الذي كان يشغل منصب رئيس اتحاد الشباب الوطني ، وكان هذا اليسع وفي اطار سعيه للتكويش قد امتلك 500 محل تجاري بأحد الأسواق وفق تعاقد تم بينه والمحلية، ولكن المحلية وفي خطوة تصحيحية لهذا الفساد البين تراجعت والغت التعاقد وازالت المحال التجارية، فلجأ اليسع للقضاء مطالبا بتعويض ملياري فحكمت المحكمة لصالحه، وتقديري أن هذا الحكم يجسد عمليا عبارة القانون حمار، ويذهب ظني في تقديري هذا الى أن القاضي أصدر حكمه بناء على ما توفر أمامه من حيثيات وعقودات، ومثل هذا الحكم (المفارق) يعيد للأذهان القاعدة العدلية الشهيرة التي تقول (ليس القانون هو الذي يملي ما هو عادل ، بل العدالة هي التي تفرض ما هو قانوني، فحين يكون الصراع بين القانون والعدالة، فعلينا أن نختار العدالة وأن نعصي الشرعية، لأن ما يجب أن يلهم الإنسان في سلوكه ليس ما هو شرعي بل ما هو مشروع)، كما أن امتلاك اليسع لهذا الكم الهائل من المحال التجارية، يعيد للأذهان أيضاً حكاية (أولاد المصارين البيض في العهد البائد)، وأولاد المصارين البيض هؤلاء لم يكونوا غير أولاد جماعة المؤتمر الوطني المحلول وأحبابهم أهل الهوى (يعني حيكونوا رفاق الحزب الشيوعي ولا أعضاء المؤتمر السوداني)، ولا يعني (حيكونوا أولاد الغبش الواقفين صفوف وناس قريعتي راحت)، وعبارة (أولاد المصارين البيض) هي تعبير سوداني قديم كان يطلق على أبناء الذوات المحظوظين الذين يجدون الحب والحظوة من أسرهم الموسرة والمنعمة أو المتنفذة، التي تستجيب لكل رغباتهم ومطالبهم، وتحميهم من كل من تسول له نفسه منازعتهم على شيء، وتغفر لهم كل زلاتهم وهفواتهم وحتى نزواتهم مهما بلغت. وهكذا كان أولاد المؤتمر الوطني وشبابه وطلابه..