كشف وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر عن درجة وصفها بالعالية من عدم الثقة بين المدنيين والعسكريين، وأمن على أهمية الوصول الى جيش مهني قومي ومحترف واحد وحذر من مغبة عدم الوصول الى ذلك من خلال دمج الحركات والدعم السريع في جيش واحد.
وكشف حسب (الجريدة) عن وجود من لديهم مصالح ويسعون للمحافظة على الوضع القائم من خلال عرقلة اصلاح المؤسسة العسكرية وآخرين لديهم مخاوف وطالب بالتعامل معهم
ومن الملاحظ أن الحكومة مؤخراً أصبحت تتحدث بشفافية وصدق عن علاقة المكون العسكري بالمكون المدني ونأت بنفسها هذه الأيام عن اسلوب العبارات الشاعرية المطاطة التي تتحدث عن مشاعر التفاهم والتناغم بين المكونين.
وأدركت الحكومة أن اسلوب التصريحات الدبلوماسية لا يجدي لطالما ان العلاقة في الواقع، لا تتسم بالتفاهم والانسجام، كعلاقة زوجين تعج حياتهما بالتفاصيل السلبية المملة ومعارك الاختلاف، وعدم الاتفاق والجفاف العاطفي ولكنهما يحاولان ان يحافظا على زواجهما كمظهر اجتماعي، ومعلوم ان الثقة ان انعدمت بين الشريكين في كل العلاقات، فإن انهيار سقف الشراكة يحتاج فقط الى مسألة وقت، فإن لم يحدث ذلك فإن الطلاق العاطفي مع استمرار العلاقة ظاهرياً، هو أشد ضراراً عليها من الفراق، وهذا ليس مجرد تخمين او تحليل او كما يسميه البعض ويصفه بـ (إيقاع الفتنة) بينهما، لكن تبقى عين المنطق هي من تجعل لسانه يبرهن، ليكشف عن هشاشة العلاقة الزائفة، وواهم من يظن أن المكون العسكري يعمل من أجل تحقيق الثورة وأهدافها، فنصرة الثورة تبدأ أولاً بتحقيق شعاراتها الحرية والسلام والعدالة، تحقيقا فعلياً وملموساً، حتى يدفع بهذه الشكوك بعيداً عن المشهد السياسي.
وظل المكون العسكري منذ انتصار الثورة وحتى كتابة هذه الحروف يتعامل بنصف نية،ينفذ ويحقق في هذه الشعارات بطريقة (فالصوية) ظاهرها للثورة وباطنها من قبله الخداع ويفترض الغباء السياسي عند السودانيين.
فصنع المكون العسكري وفصل سلاماً على مقاسه، حتى يوهم الخارج والداخل انه يسعى لتحقيق السلام كهدف أساسي، وظل يعمل على عرقلة العدالة ولجأ الى قيام محاكمات صورية لرموز النظام ووجه اتهامات سطحية لا تليق بعظمة الجُرم الذي حدث، وغض الطرف عن كل الجرائم التي ارتكبها النظام المباد، حتى جريمة فض الاعتصام ظل يحاول طمس معالمها وحماية نفسه والشركاء من المجرمين، وكان ومازال يضرب المرحلة الانتقالية ضرباً اقتصادياً وأمنياً وإعلامياً، وخلق آلية عريضة بمساعدة عقليات كيزانية لضرب نسيج الثورة، من خلال منابر ونوافذ وشخصيات ضعيفة، وكان ومازال يعمل لهزيمة الثورة التي هو جزء من حكومتها، لتحقيق أهدافه الخاصة وليس الأهداف العامة.
كل هذا ويخرج عليك رجل على كتفه رتبة عسكرية ويقول لك ثمة من يسعى لإيقاع القطيعة ويتربص بالجيش والقوات المسلحة..!
اما الحكومة التنفيذية الموقرة ظلت كل هذه الفترة تغطي على سوءاته و(تجر) ثوب السترة القصير الذي كلما أرادت تغطية رأس الحقيقة تعري باقي جسدها وكلما غطت جسدها أطل رأسها، حتى أدركت في نهاية الأمر انها تمارس الخداع على نفسها قبل شعبها، لذلك حاولت ان تتعامل مع الأمر بمزيدٍ من الوضوح عله يكون علاجاً شافياً.
لذلك ان الأيام القادمة حُبلى بمزيد من التصريحات التي ابتدرها رئيس مجلس الوزراء في اول مكاشفة له عندما اطلق مبادرته الأخيرة، تبعه عدد من المسئولين الذين أصبحوا يتحدثون بعمق ويغوصون في أغوار القضايا، لكن هذا وحده لا يكفي فلابد من زيادة جرعة المكاشفة وإشراك الرأي العام في بعض التفاصيل للقضايا الملحة التي تهمه وتساعد في إسراع ودفع عجلة التغيير الحقيقي.
فحديث وزير شؤون مجلس الوزراء لن يكون الأخير لكشف مزيد من الحقائق، وان الحكومة التي عجزت عن إنفاذ كثير من الخطوات بسبب هذا النفاق السياسي ستضطر لمزيد من الصراحة وستتجه الى استخدام اداة الإفصاح بدلاً من آلة الإصحاح الذي اكتشفت انه غير مجدٍ، لأ نه مازال يصده حاجز الزيف.