* عاد الى الظهور بكثافة لصوص المنازل وانتشروا في معظم أحياء العاصمة مع تراخ واضح ولا مبالاة من جهاز الشرطة التي لم تعد تعير اهتماماً بالبلاغات، دعك من تسيير الدوريات الليلية لحراسة المواطنين من اللصوص ومرتادي الاجرام، وحكى لي أحد الأصدقاء بأنهم عندما اشتكوا للشرطة من كثافة السرقات الليلية رد عليهم أحد الضباط ساخرا: (أليست هذه هي المدنية التي تريدونها؟)، وذلك في ربط غريب جداً بين زوال النظام البائد والعمل الذي تؤديه الشرطة، وكأن الشرطة كانت في خدمة وحماية النظام، وليس الشعب!
* لم يعد هنالك حي يسلم من الزيارات والسرقات الليلية، ونشط لصوص الشوارع في اختطاف الموبايلات والاشياء خفيفة الوزن، بينما الشرطة نائمة لا تنشط إلا عند حدوث الوقفات الاحتجاجية لتردم المتظاهرين السلميين بالقنابل المسيلة للدموع، وتستخدم في كثير من الأحيان العنف المفرط لتفريقهم بدون حدوث ما يستدعي ذلك، وأذكر هنا حادثة إستاد الخرطوم خلال مباراة هلال مريخ التي أطلقت فيها الشرطة الغاز المسيل للدموع بكثافة بدون مبرر معقول، وحوادث أخرى مشابهة في مدينة (ابو نعامة) بولاية سنار وفى مدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة خلال شهر نوفمبر الماضي أصيب فيها عدد كبير من المواطنين إصابات متفاوتة، ومقتل مواطن تحت التعذيب في أحد أقسام الشرطة بأم درمان في أكتوبر الماضي.. وغيرها من الحوادث المزعجة!
* وليس بي حاجة للحديث عن تمرد شرطة المرور في فترة سابقة والفوضى الشديدة التي أصابت المرور من هذا التمرد بدون أن تتخذ قيادة جهاز الشرطة ووزارة الداخلية أي إجراء للمحاسبة أو حتى التحقيق وكأنها في حالة إعجاب وتأييد لما يحدث، مما يؤكد صحة بعض المزاعم من اكتظاظ جهاز الشرطة بعناصر النظام البائد الذين أغضبهم زوال النظام البائد فتمردوا على العمل !!
* حتى النائب العام لم يسلم من هذا التمرد، واشتكى في حوار لصحيفتنا نشر الشهر الماضي، بأنهم طلبوا من شرطة المباحث القبض على شخص معروف وحددوا لها مكان وجوده، فلم تُنفذ الأمر، وقال انه بصدد الاتصال بوزير الداخلية ومدير الشرطة لإيجاد آلية لتنفيذ أوامر النيابة!
* تخيلوا ما يحدث .. يطلب النائب العام من شرطة المباحث القبض على متهم فترفض الشرطة تنفيذ الأمر، فإذا كان الامر كذلك فإلى من تستمع الشرطة ومن تطيع.. ولقد بلغ من السوء أن النائب العام يستجدي زميله وزير الداخلية ومرؤوسيه في الشرطة لإيجاد آلية لتنفيذ أوامره .. لو كنت مكان النائب العام لما ترددت في تقديم استقالتي حفظا لكرامتي المهنية والخروج في مؤتمر صحفي واطلاع الرأي العام على الحقيقة المُرة، بدلاً من الاستجداء والاهانة التي يتعرض لها من الشرطة برفض تنفيذ تعليماته!
* بل ان هنالك من يتحدث عن وجود لجنة تبحث حالياً تقليص سلطات النيابة في القبض واطلاق سراح المقبوضين على ذمة التحري، ولا يدري أحد لماذا ولمصلحة من يحدث هذا، وهل جاءت الثورة للتضييق على الناس أم توسيع قاعدة الحريات، فالمعروف أن النيابة تقوم بعمل كبير في تسهيل اطلاق سراح المقبوضين بالطواف المستمر خلال ساعات الليل على الاقسام والحراسات والنظر في بلاغات المقبوضين واتخاذ الاجراء المناسب، فلماذا يُحرم الناس من هذه الخدمة؟!
* لقد كان من المفترض توسيع سلطات النيابة وليس العكس، وتخصيص قوات شرطية خاصة بها لتنفيذ أوامرها، وزيادة دوريات الشرطة الليلية في الاحياء خاصة بعد تفريغ شرطة النظام العام من مهزلة مطاردة النساء والفتيات في الاسواق والشوارع، والتفرغ لحماية وخدمة المواطنين، وليس ممارسة التمرد والغضب والسخرية من الثورة وحكومتها وشعاراتها !
* يجب أن تفهم وزارة الداخلية وقوات الشرطة أن النظام البائد قد سقط في مزبلة التاريخ ولم يعد له وجود، ولن يعود مرة أخرى في وجود هذا الشعب الثائر المعلم، وأنهما الآن جزءٌ لا يتجزأ من الثورة والحكومة والشعب، وأن المدنية لا تعني العداء للشرطة، بل ترقية أسلوبها وتطوير أداءها على اسس تتلاءم مع حقوق الانسان وصون حياته وكرامته وحماية ممتلكاته، وتحقيق شعار (الشرطة في خدمة الشعب) فعلاً لا قولاً، وليس خدمة النظام، فيرفع لها الجميع القبعات، وينحنون تقديراً وتعظيماً لما تقوم به من عمل نبيل، بدلاً من السخط الذي يشعرون به تجاهها الآن!