)السودان يقاطع بريطانيا( كان (مانشيت) باللون الأحمر في صدر الصفحة الأولى لصحيفة الصحافة السودانية الصادرة في يوم الأحد 19 ديسمبر 1965، وتحته مباشرة العنوان العريض التالي: )الخارجية تستدعي السفير البريطاني وتبلغه قرار المقاطعة(..
لابد أنَّ بريطانيا ارتكبت في حق السودان جرماً كبيراً هو ما دفع السودان لهذه العقوبة الصارمة.. ربما تأخرت في سداد ديونها للسودان، أو ربما نطق رئيس وزرائها بعبارات فيها إهانة للسودان، أو ربما قرر السودان استخدام هذا الأسلوب الفظ حتى ترتعب أوصال بقية دول العالم، وتدرك أنَّ )السودان لو قام كعب(.. فتخشى على نفسها ولا تقترب من حرمات السودان الدبلوماسية أو الدولية..
الحقيقة لا هذا ولا ذاك، فالسيد محمد أحمد المحجوب رئيس الوزراء –آنئذٍ- عقد مؤتمراً صحفياً في الخرطوم ليشرح للعالم الأسباب التي دعت السودان لمعاقبة بريطانيا بقطع العلاقات الدبلوماسية معها..
يقول نص الخبر: )أعلن السيد محمد أحمد المحجوب رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي أمس قطع العلاقات مع بريطانيا، وقد أبان للمؤتمر جميع المراحل والتطورات التي مرت بالقضية الروديسية، وذلك منذ انعقاد مؤتمر “أكرا”.. وقال إنَّ مجلس الوزراء عقد اجتماعاً من السادسة مساءً أمس الأول حتى الواحدة صباحاً ..ودرس الموضوع من كل جهاته، مؤكداً صلابتنا في الوقوف بجانب الشعوب الأفريقية وبجانب قضية روديسيا..(
باختصار قطعنا علاقتنا مع بريطانيا من أجل خاطر دولة اسمها روديسيا والتي كانت مستعمرة بريطانية واستقلت لتصبح الآن “زمبابوي”..
والحقيقة أنَّ السودان بعد حوالي أقل من عامين قطع علاقاته مع جمهورية ألمانيا )الغربية( ثم الولايات المتحدة الأمريكية شخصياً.. )ولا نامت أعين الجبناء( حسب ما تقول البيانات الرسمية..
بعد أيام قليلة من قطع العلاقات مع بريطانيا، أطل وزير المالية في الشاشة )الغشاشة( ليخاطب الشعب السوداني، ويبلغهم أسباب الانهيار الاقتصادي الذي يكابده السودان.. وطبعاً كان مضى على سقوط حكم الفريق إبراهيم عبود أكثر من عام، تولت فيه السلطة الأحزاب وتغيرت الحكومة أكثر من مرة خلال هذه الفترة القصيرة.. قال وزير المالية السيد مبارك زروق في مؤتمر صحفي، إنَّ حكومة عبود هي السبب في الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد.. كيف؟ كيف تتسبب حكومة عبود في انهيار اقتصاد البلاد؟ يقول السيد مبارك زروق )لأنَّها أمعنت في مشروعات كبيرة وتشييد مصانع ومشروعات ضخمة للدرجة التي انخفضت فيها احتياطيات الدولة المالية(..
بالله تصوروا!!
هذا )الفيديو كليب( التاريخي ما قصدت به تقليب المواجع على شعب أصلاً موجوع بما يكفي.. لكني فقط أضع علامة بالقلم الأصفر حول علاقاتنا الخارجية الآن.. وليس في زمن المحجوب ومبارك زروق.. إن كانت تلك الحكومات البائدة تباهت بقطع علاقاتها الدولية، فالآن نحن نتبنى سياسة تقوم على افتراض أننا بلد في كوكب المريخ لا علاقة له بالكرة الأرضية..
)نفس الملامح والشبه.. والمشية ذاتا وقدلتو(