* نرجو للملتقى الاقتصادي السوداني الإثيوبي الذي انعقد في أديس أبابا مؤخراً أن يفلح في إنجاز ما أعجز الجهات الرسمية، التي وضح فشلها، واستبان ضعفها في تواضع أرقام التبادل التجاري بين بلدين، تجمعهما علاقاتٌ ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، ويضمان أكثر من مائة وأربعين مليون نسمة، وتمتد حدودهما لأكثر من سبعمائة كيلومتر.
* في الليلة الختامية للملتقى الناجح تحدث الأستاذ وجدي ميرغني، رئيس مجلس الأعمال السوداني الإثيوبي المشترك، وعهدنا به أنه منصرف للإحصائيات، مهتم بتدقيق معلوماته وتنقيحها، ومجتهد في تنفيذ أعماله بطريقة علمية مؤسسة، تكفل نجاحها.
* رسم وجدي صورةً قاتمة لحال التجارة بين السودان وإثيوبيا، حيث حدد حجم التبادل التجاري بين البلدين في سقف يفوق المائة مليون دولار، ويقل عن المائتين، مثلما أسهب في وصف التجربة الإثيوبية الرامية إلى تعظيم النشاط الأبرز للسكان، برؤية رسمية واضحة، واستراتيجية طويلة المدى، يتم تنفيذها بعمل دؤوب، ومتابعة متقنة، وتقييم دائم لأمر الزراعة، في دولةٍ يعيش غالب سكانها في الأرياف، ويمتهنون الزراعة والرعي.
* في إثيوبيا لا يوجد بنك زراعي، لأن كل البنوك ملزمة بدعم الزراعة، بل تخصص غالب تمويلها لها، بينما تنصرف بنوكنا إلى تمويل الخدمات، وعندما تفعل )على مضض( تمتنع عن تمويل صغار المزارعين، وتطالبهم بضمانات لا تتوافر لهم، مع أنهم يمثلون 60 % من العدد الكلي للزارعين في بلادنا.
* في بلاد الأحباش يتم استيراد المدخلات الزراعية من تقاوى وأسمدة ومبيدات بعطاءات عالمية، تُطرح في تواقيت مُحكمة، بمعزل عن السمسرة والفساد المستشري عندنا، لتوفر للإثيوبيين ميزة الشراء بأقل الأسعار، وتتيح للمزارعين استخدام تلك المعينات لتحسين إنتاجهم، بعد وصولها إليهم في الوقت الصحيح، وفي السودان يتم الاستيراد بطريقة )الترزي يوم الوقفة(.
* في إثيوبيا لا تشغل الدولة نفسها بالتنقيب عن البترول والمعادن، لأنها تعلم أنها تمتلك الأقيم، فتحصر همها في ما يليها، وتدعم الزراعة بغالب الميزانية، وتجتهد في تمويل الصادرات عبر بنوك منصرفة لدعم النشاط الأكبر للسكان، وفي السودان انحصرت نسبة تمويل الصادر في )2 %( فقط من جملة التمويل البنكي في آخر ثلاث سنوات، مقارنة بـ16 % مخصصة لقطاع البناء والتشييد، و13 % لقطاع التجارة المحلية، و18 % فقط للزراعة!
* كيف نحلم بأن نرفع قيمة اقتصادنا، لنغطي عجزنا الفادح في ميزان المدفوعات، طالما أن قطاعنا المصرفي يدير ظهره للصادرات، ويغل أياديه عن تمويل المصدرين، بينما تتولى الدولة تنفيرهم أكثر، بفرض الرسوم عليهم، وسلبهم نسبة 10 % من حصائلهم، بلا مبرر؟
* الرسوم المفروضة على قطاع الصادر تشير إلى عجزٍ تام في التفكير، وفشل مقيم في التخطيط، لأنها تصل إلى 26 % من قيمة الإنتاج الكلي، فكيف تتحدث الحكومة عن دعم الصادر وهي تكبله بتلك الجبايات الباهظة؟
* قطاع الخدمات يستأثر عندنا بـ50 % من الدخل القومي للسودان، برغم قلة عدد العاملين فيه، مقارنة بعدد العاملين في القطاع الزراعي، الذين يشكلون 65 % من العدد الكلي للسكان، ومع ذلك لا تدر الزراعة إلا 30 % من الدخل القومي للدولة.
* صرَّت أقلامنا وبحّت أصواتنا ونحن ننادي بإيلاء الزراعة ما تستحقه من دعم واهتمام وتمويل على أيام العهد البائد، وضاعت صرخاتنا هباء، فهل يتغير الحال في العهد الجديد؟