لا يبدو أن الانقلابيين عسكريين ومدنيين يرغبون في حوار جاد ينهي الأزمة بانهاء الانقلاب الذي دبروه، فقد بدا واضحا أن ما يرغبونه هو شرعنة انقلابهم بما يفك العزلة الخانقة المضروبة حولهم، وللأسف ساعدتهم الآلية الثلاثية في البدء على ذلك، قبل ان تحاول لاحقا تصحيح مسار ومنهجية الحوار بتعليقها له لأجل غير مسمى على خلفية ما طرأ من مستجدات أعقبت لقاء العسكريين بقوى المجلس المركزي للحرية والتغيير، بحسب تبرير الآلية لخطوة التعليق، فهناك جملة شواهد تؤكد ان الانقلابيين ماضون في انقلابهم، وما عدا ذلك ليست سوى مناورات والاعيب لكسب الزمن وتوطيد أركان الانقلاب، اذ لم تطرأ أي درجة من التغيير على سلوك الانقلابيين منذ استيلائهم على كامل السلطة قبل نحو ثمانية أشهر، فقد تواصلت اجراءاتهم الانقلابية وتوالت قراراتهم الارتدادية طوال هذه الفترة والى اليوم، فالقتل مازال مستمرا، ونسخ والغاء قرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو مازال متواصلا، وأحكام اعادة الأموال المنهوبة لناهبيها مازالت تصدر الى يوم حوار الآلية المزعوم هذا، ومحاولاتهم لتثبيت أركان حكمهم ما انفكت تترى عبر المزيد من التعيينات الجديدة الموالية لهم، وبكلمة واحدة فكل تصرفاتهم وحركاتهم تدل على عزمهم على عدم اعادة البلاد الى المسار المدني الديمقراطي من جهة، ومن جهة أخرى تكشف تشبثهم بالسلطة وعدم تنازلهم عنها..
ففي خطوة ارتدادية أخرى والمؤكد أنها ليست أخيرة، ما نقلته صحيفة الديمقراطي الاليكترونية عن قرار مدير جامعة النيلين المعين بواسطة الانقلاب باستبقاء البروفيسور عوض حاج علي، في تحايل جديد على القانون ومخالفة لقرار أساتذة الجامعة. ويعد عوض حاج علي الذي تولى إدارة جامعة النيلين خلال العهد البائد، أحد كوادر الحركة الإسلامية، وكان من المطالبين بالقمع العنيف للثوار المحتجين ضد نظام الإنقاذ البائد.حيث كشفت فيديوهات لاجتماعات سرية للحركة الاسلامية ابان المظاهرات ضد نظام البشير، قوله في الاجتماع (يا اخوان هذه ليست مظاهرات..هذه حركات عسكرية..هذه مجموعة حركة صعاليك..صعاليك في الانترنت والوتساب..يا اخوان يجب ان يفهم الناس المعركة بفهمها الصحيح..لا يجب ان يراودنا أي نوع من التعاطف أو التراجع أو التنازل)، وأعاد قرار لمدير جامعة النيلين المعين بواسطة الانقلاب استبقاء هذا الرجل بكل عدائه السافر للثورة والثوار بكلية علوم الحاسوب وتقانة المعلومات، علما بأن مجلس اساتذة الجامعة كان قد قرر سابقا سحب لقب استاذ امتياز الذي حصل عليه عوض حاج علي خلال العهد البائد، بطريقة مخالفة للشروط اللائحية، حيث تبين أنه غير حاصل على درجة الاستاذية من الجامعة، بالاضافة لحصوله على اللقب وهو على رأس العمل، الأمر الذي يتنافى مع نص اللائحة، وتجدر الاشارة الى أن المحكمة العليا الناشطة في الغاء قرارات لجنة تفكيك التمكين واعادة الفلول ومنسوبي وقيادات النظام المخلوع وممتلكاتهم وأموالهم، كانت قد قضت في السادس عشر من مارس الماضي بابطال قرار سحب لقب استاذ امتياز من المذكور عوض حاج علي..فالردة مستمرة والقرارات والاحكام الارتدادية ماتزال متواصلة..