مفارقة جديدة تضاف إلى مفارقات الحكومة المستمرة، فالبلاد التي تعاني من ارتفاع نسبة البطالة بصورة مبالغ فيها وبشكل متزايد مع كل عام، ومع تدني مستوى المعيشة والضغوط الاقتصادية التي أوشكت على مرحلة الانفجار، تعلن أمس وبكل قوة عين نيتها استقدام عمالة أجنبية للعمل بالبلاد.
فقد أعلنت وزارة العمل عن استقدام عدد (1.816) أجنبياً للعمل في البلاد، واستخدام عدد (27.805) مواطناً للعمل بالخارج، وأكدت الوزارة عن وصول قانون العمل الجديد مراحل متقدمة ﻹجازته بعد التوافق عليه من قبل الشركاء الاجتماعيين.. (انتهى الخبر) ـ وبدأت فصول جديدة من معاناة من نوع جديد للمواطن الذي ينتظر الفرج ليمارس تفاصيله اليومية مثله مثل باقي خلق الله.
وزارة العمل وبدلاً عن تنظيم سوق العمل بالسودان أصبحت تعمل مثل (الدلالية)، تبيع هنا وهناك، تصدر عمالة وتستورد عمالة، والدليل على ذلك وكالات الاستقدام الخارجي التي أصبحت مثل الكناتين بالأحياء لكثرتها، والحكومة توافق على تأسيس مثل هذه الوكالات والمساعدة في (تطفيش) أبناء وبنات الوطن ليس حباً في معالجة مشكلة العطالة وتبعاتها المعروفة من فقر وانتشار الجرائم وإدمان المخدرات وغيرها من المشاكل الاجتماعية التي لم تكن موجودة في السابق، التي أدت مؤخراً لوصول السودان لمرحلة الانهيار الوشيك، أيضاً لم يكن غرض الحكومة القضاء على البطالة وكشط اسم السودان من قائمة الدول (الراعية للبطالة) التي تظل عبئاً ثقيلاً على المجتمع الدولي، فغرض الحكومة الأساسي بالتأكيد (الجبايات والرسوم) التي تتحصلها من هذه الوكالات بجانب النسبة الكبيرة من الرسوم التي تحصل عليها مقابل أي عقد عمل خارجي.
ففي الوقت الذي ينتظر فيه الشعب من الحكومة حلَّ ضائقة المعيشية، وإيقاف نزيف هجرة الكوادر المستمر، ووضع حد للمخاطر التي يتعرض لها شباب السودان بما فيهم حملة الشهادات الجامعية والشهادات فوق الجامعية، والذين أصبحوا وجبات دائمة لأسماك القرش بالمتوسط، تواصل حكومتنا المحترمة جداً المزيد من الضغط على المواطن واستفزازه باستجلاب عمالة خارجية لتقوم بمهن ووظائف كان من الممكن أن يقوم بها شباب السودان بكل سهولة، لم تسعَ الحكومة لجعل سوق العمل بالسودان جاذباً للشباب، ولم تعمل على استيعابهم وترغيبهم في العمل بجميع المهن والوظائف، والعمل على توسيع برامج التدريب والتأهيل للعمالة الوطنية في مختلف المهن، خاصة وأن ما تدفعه للعمالة الأجنبية عادة ما يكون ضعف ما تقوم بدفعه للعمالة الوطنية، الأمر الذي يشكل عبئاً إضافياً على الاقتصاد الوطني باستنزاف النقد الأجنبي الذي أوصل الجنيه السوداني للحضيض. الحكومة للأسف بهذه الخطوة تكون قد ساهمت أيضاً وبصورة كبيرة في تفشي البطالة الصريحة وبالتالي تقليص فرص توظيف العمالة الوطنية وانتشار العمالة الهامشية، وانتشار ظاهرة الوسطاء ووكالات التوظيف الأهلية.
وحتى لا يكون الحديث مطلقاً، فإن عدد الأجانب في السودان تجاوز الأربعة ملايين، رغم الظروف الاقتصادية المعروفة. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الدراسات الأخيرة أكدت أن العمالة الأجنبية بالمصانع السودانية المختلفة بلغت نسبة 44% ما يعني تضييق الفرص على العمالة الوطنية التي باتت مهمشة واضطرت لامتهان مهن أخرى ربما لا تتناسب وإمكاناتها وظروفها الشيء الذي يضاعف من أزمات الوطن، يُضاف إليها المضايقات التي يتعرضون لها من قبل سلطات المحليات والابتزاز الذي يتعرضون له باستمرار.
ما يحدث من وزارة العمل التي تعمل بعيداً عن احتياجات سوق العمل السوداني واحتياجات المجتمع السوداني نفسه، فالمنظومة متكاملة ولا يجب أن تكون غير ذلك، وإعادة النظر فيما يحدث من قرارات مطلوب قبل أن يصل الحال مرحلة اللا عودة.