صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الدفع مقابل الإعلان

27

حديث المدينة

عثمان ميرغني

الدفع مقابل الإعلان

واحد من أعجل الإصلاحات المطلوبة الآن وفورا، حال السجون بالسودان.. هذا العالم “المنسيُّ” الذي يبدو خارج اهتمام الحكومة والمجتمع أيضا..
أوضاع ممعنة في الـ(لا) إنسانية.. يرغمُ السجين أحيانا وربما غالبا على دفع مبلغ يصل أحيانا إلى أكثر من (500) جنيها وإلا فلن يستلم “إعلان” المحكمة للمثول أمامها، وطبعا إدارة السجن إن لم تتَلقَّ “إعلان المحكمة” فلنْ تسمح له بالصعود إلى سيارة الترحيل إلى المحاكم التي تتحرك من السجن كل يوم لتوزع المسجونين على المحاكم.. وفي قاعة المحكمة ينادى على السجين فإن لم يظهر تؤجل الجلسة إلى موعد آخر قد يكون بعد شهر أو أكثر.. فيضيع عمر السجين خلف القضبان وهو غير قادر على المثول أمام المحكمة، وربما يكون بريئا لو تمكن من الذهاب، لحصل على قرار بالإفراج عنه.
كثير من السجناء يقضون فترات طويلة في السجون لا عقوبة ولا انتظارا لإكمال إجراءات التقاضي، بل لأنهم غير قادرين على الدفع مقابل الحصول على “إعلان المحكمة”..
وبكل أسف، قلَّما يحاول القاضي استقصاء السبب الذي منع النزيل (وهو في قبضة الحكومة في السجن) من المثول أمامه.. لا أعلم كيف يقبل القاضي أن يقال له أن السجين لم يحضر للجلسة دون أن يحقق في الأسباب التي منعت وصوله؟
السجون مكتظة بأعداد مهولة من أبناء وبنات هذا البلد الموجوع بالأزمات.. ويجدر تخفيف حمل هذه السجون بتسريع إجراءات النظر في قضايا المنتظرين، وأول الخطوات في هذا الاتجاه هو أن لا يترك مثول السجين أمام القاضي تحت رحمة “الإعلان”.. الذي قد لا يصله ولا يتسلَّمه، والأوجع أن لا يسأل أحد لمَ لا يصل الإعلان إلى السجين.
أقترح على السلطة القضائية بذل مزيد من الجهد لعلاج هذه الثغرة الخطيرة.. استحداث آلية تضمن وصول “إعلانات” المحاكم إلى نزلاء السجون فورا دون أن تترك لتقدير أي فرد أو جهة.. بل وأن يضمن ذلك في إجراءات القاضي عند النظر في القضايا أن لا يقبل إطلاقا فرضية غياب سجين عن الجلسة.. فالسجين لا يأتي من بيته وليس حرا في حضوره أو غيابه فهو في قبضة الحكومة وهي التي تقع عليها مسؤولية تمكينه من المثول أمام القاضي..
إذا أصبح غياب السجين عن جلسة مدعاة لإجراءات محاسبة ضد كل من يقع عليه مسؤولية “إعلانه”.. وإذا تولت القضائية التحقيق في الأسباب التي تؤدي لتخلف سجين عن جلسة في أية محكمة.. فستتوقف تماما ظاهرة (الدفع مقابل الإعلان)..

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد