قال أحد الثوار المخضرمين (مشكلتنا في الثورات أننا نطيح الحاكم ونبقي من صنعوا ديكتاتوريته، نغير الظالم ولا نغير الظلم، لهذا لا تنجح أغلب الثورات)، وقد صدق هذا الثائر العتيد في عموم ما قاله عن الثورات، فيما عدا ثورة ديسمبر السودانية المدهشة التي لا ينطبق عليها قوله، اذ لازالت هذه الثورة مشتعلة ومتأججة لا يقبل ثوارها أن يعطوا الدنية في ثورتهم، فاما ثورة كاملة وتغيير شامل، أو ستبقى الثورة مستمرة، وقد ظلوا في حالة حراك ثوري مستمر حتى بعد اطاحة النظام البائد، يراقبون الأوضاع بعين مفتوحة، كلما رأوا اعوجاجا أو انحرافا قاموا الى ثورتهم ومواكبهم، أما بعد انقلاب 25 أكتوبر الذي بدأ يعيد البلاد الى أوضاع ما قبل الثورة، أعاد الثوار سيرتهم الأولى، وبدأوا مكافحة الانقلاب بذات الدأب والعزم والشجاعة التي كافحوا بها النظام البائد حتى اسقطوه..هذا ماكان من شأن الثوار والشارع الرافض بقوة للانقلاب والمصمم على دحره..فماذا عن الجانب الآخر، جانب الانقلابيين..
للأسف ما زال الانقلابيون متشبثون بالسلطة التي حازوها بقوة السلاح، وقد أصموا آذانهم عن سماع هدير الشارع المطالب بمدنية وديمقراطية الدولة ورحيل الانقلابيين، ولكن ما انفك الانقلابيون في انقلابهم سادرون، يصدرون من القرارات ما يرتد بالبلاد الى عهود الديكتاتورية والفاشية والعسف، وعن مثل هذا الحال الارتدادي الانتكاسي، تحدثنا عبر التاريخ بأن الحاكم الفاسد يحتاج لجوقة فاسدين، فهو لا يستطيع أن يستمر بالحكم في بيئة صالحة لأنها ستقاومه وتتصدى له وربما تسقطه، لهذا تراهم أينما وجدوا يستميتون في محاولة إفساد المجتمعات بالتدرج أحيانا، وبطريقة الصدمة في أحيان أخرى متسلحين بفاسدي الذمم من أبناء المجتمع ونخبه المزيفة التي يصنعونها ليستخدموها في التسويف وقلب الحقائق والتدليس على الناس..وكل هذا من اجل التشبث بالسلطة غير عابئين بالأمواج الجماهيرية الهادرة الرافضة لوجودهم، بل يعمدون بكل همة وقسوة لقمعها بمختلف الأساليب القمعية، بل وكذلك غير آبهين لمن يغتالونهم من شهداء بالغا ما بلغت أعدادهم، ويمعنون فى تجاهل المطالب الوطنية المشروعة التى تنادى بذهابهم، وهذا لعمري هو البغي والعدوان في أسوأ صوره، فهم يمتلكون السلطة المدعومة بقوة السلاح، ويفرضون وجودهم هكذا عنوة وتجبرا ويرفعون اسلحتهم في وجه الجماهير، أما الحركات الاحتجاجية الوطنية السلمية، فهى من صميم حقوق الإنسان التى أكدتها الشرائع كافة وسائر المواثيق الدولية، وتعد مواجهة أي احتجاج وطني سِلمي بالقوة والعنفِ المسلح، وإراقة دماء المواطنين المسالمين، نقضا لميثاق الحكم بين الشعوب وحكامها، ويسقِط شرعيةَ السلطة، ويهدر حقها في الاستمرار بالتراضِي، فإذا تمادتِ السلطة في طغيانها، وركبت مركب الظلم والبغي والعدوان واستهانت بإراقة دِماء المواطنينَ الأبرياء، حِفاظا على بقائها غير المشروع ورغم أنف إرادة الجماهير، أصبحت السلطة مدانة بجرائم تلوث صفحاتها، وأصبح من حق الشعب المقهور أن يعمل على عزل حكامه المتسلطين ومحاسبتهم، مهما كان تحججهم وادعاءاتهم من حرص على الاستقرار أو مواجهة الفِتنِ والمؤامرات، فانتهاك حرمة الدم المعصوم هو الخط الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه في الإثم والعدوان..ومنذ سقوط أول شهيد بعد انقلاب 25 اكتوبر سقطت سلطة الانقلاب اخلاقيا وشرعيا، فما بالك وقد بلغ عدد الشهداء حتى اليوم قرابة الخمسين شهيدا..
استبيان ” الجريدة “ … هل يعني لكم قرار الفريق أول عبدالفتاح البرهان إعادة صلاحيات جهاز المخابرات العامة ومنحه وفقاً لحالة الطوارئ الحصانة وحق الاعتقال مزيدا من الاحتقان ونهاية حتمية لحكمه
نود مشاركتكم لارسال النتيجة في بريد السيادي عبر الرابط