صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الخرطوم.. فرع جهنم

11

للعطر افتضاح

د. مزمل أبو القاسم

الخرطوم.. فرع جهنم

* صدق سعادة الفريق أول ركن أحمد عابدون، والي ولاية الخرطوم المكلف، عندما استدعى معتمدي ولايته لاجتماعٍ عاجلٍ، لم يتعدَ زمنه عشرين ثانية، ردد فيها عبارةً واحد قبل أن يغادر القاعة، من دون أن يسمح للحاضرين بالتعليق على حديثه الصادم.
* قال لهم: (الخرطوم أصبحت كوشة كبيرة)، ثم فتح باب القاعة وخرج.
* صدق وأيم والله، بل إنها باتت أقبح من (الكوشة)، وأوفر منها نتانةً وقذارة، سيما هذه الأيام، حيث تتمدد البِرك الآسنة، لتملأ الميادين، وتوفر حاضنة مثالية لجيوشٍ من الذباب والبعوض وبقية الهوام، وتمنح (القعوي) فرصة لتشنيف الآذان بالنقيق على مدار ساعات الليل.
* عرفت أحمد عابدون قبل أن يتقاعد من عمله في الجيش، ويعود بأمر المجلس العسكري والياً مكلفاً للخرطوم قبل عدة أشهر من الآن.
* صرامته بادية، ونزاهته معلومة، وانضباطه شائع، وحرصه على إنجاز عمله على الوجه الأكمل مستمد من خدمة طويلة (وممتازة) في المؤسسة العسكرية.
* صرامة تخالطها روح رياضية سمحة، اكتسبها من عمله سكرتيراً للنادي الأهلي الخرطومي، ومخالطته الطويلة للرياضيين، الذين يديرون خلافاتهم بما لا يفسد لودهم قضية، لذلك لم أستغرب صراحته مع معتمدي ولايته السبعة، حينما رأى فيهم تقصيراً في العناية بملف سلامة البيئة، ولمس عجزهم عن الارتقاء بملف النظافة.
* تزداد معاناة أهل العاصمة بشح المياه، والانقطاع المتوالي للكهرباء عن الأحياء السكنية، وكأن المسؤولين عن الماء والكهرباء آلوا على أنفسهم أن ينغصوا حياة المنكدين، ويرفعوا معدل معاناتهم، التي تضاعفت بشكوى مواطنين من احتراق أجهزتهم الكهربائية والإلكترونية، بسبب عودة التيار بمعدل أعلى من المعتاد في بعض الأحياء.
* الخرطوم بوضعها الحالي غير صالحة لسكن البشر، ويصح أن تنال مُسمى (فرع جهنم بالسودان).
* تنقطع الكهرباء وتغيب معها المياه، لأن معظم آبار التقوية تعمل بالكهرباء، فتتعطل الحياة نهاراً، ويتوقف العمل في المؤسسات العامة والخاصة، ويفشل من يمتلكون مولدات للكهرباء في تشغيلها، بسبب صعوبة الحصول على الوقود، ويفعل الذباب بالناس الأفاعيل.
* يأتي الليل فيتكرر انقطاع التيار، وتشح معه المياه، لتعِّلم الناس قيام الليل من دون صلاة، ويتسلم البعوض (الوردية) من الذباب، فيجعل النوم حلماً بعيد المنال.
* إذا كان ذلك واقع العاصمة، فكيف يكون الحال في الولايات والأطراف البعيدة؟
* الوضع الحالي في الخرطوم ينذر بحدوث كارثة بيئية وصحية، ما لم يتم تداركه عاجلاً، بشفط المياه، وتجفيف الميادين من المياه الراكدة، ورش المتبقي بالمبيدات، لوقف تكاثر الحشرات، مع ضرورة استخدام الرش الجوي (أكثر من مرة) لمكافحة انتشار الذباب والبعوض، بعد أن نكَّد عيش مواطني العاصمة ليل نهار.
* إذا لم يتم التعامل مع مخلفات الخريف وتوابعه بالسرعة اللازمة فسندخل قريباً في دوامة تفشي الإسهالات المائية، التي ضربت معظم ولايات السودان قبل عامين من الآن، ولم تستثن عاصمة البلاد، لتودي بحياة العشرات.
* تحريك ملف النظافة، والسعي لتحسين الوضع البيئي المنهار ينبغي أن يسبق فتح المدارس في منتصف الشهر الجاري، كي لا يدفع أبناؤنا ثمن القذارة التي تحدث عنها والي الخرطوم مع معتمديه.
* ما كتبناه عن العاصمة ينسحب على بقية مدن السودان وأريافه، وفيها متسع للمعاناة، في فصلٍ تحولت نعمته إلى نِقمة، بسبب توالي الفشل الحكومي في إدارة ملف الخريف بما يعود علينا بالنفع، لا بالوجع المقيم.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد