لعله من نافلة القول التنويه الى أن قرار رفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، اتاح للبلاد فرصا واعدة للتنمية والتطور والتقدم وحلحلة أزماتها المزمنة، ولكن هذه الفرص الواعدة ستضيع هباء ان لم تبذل الحكومة وسع جهدها في الاستعداد الجيد للاستغلال الامثل لهذه الفرص، ومن الاستعدادات المطلوبة أن السودان يحتاج بشكل عاجل إلى تأهيل بيئة الاستثمار وتطوير القطاع الخاص والتعاملات الإلكترونية على مستوى الدولة، وهذا ما يوجب على الحكومة أن تجتهد لتحديث أدائها عبر توطين التقانة في أجهزتها كافة وتدعيمها بأحدث ما توصلت اليه تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات بعد أن مكنها قرار رفع العقوبة من الحصول على هذه التقانات بعد طول حرمان منها، فهذه التقانات ان وجدت الأساس الصالح الذي ستقوم عليه فإنها أتوماتيكيا ستنتهي بنا الى تطوير شامل يؤدي بدوره الى تقديم الخدمات الحكومية للمواطن في زمن قياسي وبأقل جهد ممكن وبمستوى عال من الكفاءة والاجادة، وسينعكس ذلك بشكل ايجابي على المواطنين والمستثمرين وشركات قطاع الأعمال التي تتعامل مع الجهات الحكومية المختلفة، فعالم التجارة الدولية تغير كثيرا والمستثمرون يتوقعون بيئة تساعدهم على إنجاز أعمالهم بالسرعة التي يتطلبها عصر الإنترنت والتجارة الإلكترونية، اما اذا لم تتوفر لهذه التقانات مقوماتها الأساسية التي لا تصلح الا بإصلاحها ونعني هنا مؤسسات الخدمة المدنية المتهالكة التي تحتاج بداية لعملية انهاض تنتشلها من عصر ما قبل الحداثة الذي وقفت عنده بفعل فاعلين حتى تكون بعد ذلك مؤهلة ولو بالحد الأدنى لاستقبال عصر الحداثة ثم الولوج فيه، وأيما محاولة غير ذلك لا تعدو بنظرنا أن تكون محض ترف عولمي لن يتعدى عتبة النقاش النظري وستبقى الحلول الاليكترونية المتكاملة مجرد أمنية عصية المنال ..�الأجدر من ذلك برأيي أن يتم البحث بتعمق في شؤون الخدمة المدنية التي لن نتجنى عليها ان وصفناها بالعجز والكساح، قبل أن نشطح بطموحاتنا الى مستوى الحكومة الاليكترونية، فبدون هذا الاصلاح لن تتحقق الفائدة المرجوة من التقانات ويبدو حالنا كحال الشخص الذي حاول أن يبدو حضاريا وحداثيا في ملبسه فكابد وعانى حتى امتلك بدلة افرنجية فاخرة وربطة عنق فرنسية انيقة، ولكنه نسى في أول ظهور له بشكله الحداثي الجديد أن يستبدل السروال أبوتكة، ولن نذهب بعيدا أو نجتهد كثيرا لاثبات هذه المفارقة على كثرة ما تعانيه الخدمة المدنية من مفارقات، بل نمد يدنا بكل سهولة لنستل احداها من دراسة سابقة أعدت حول مردود العامل في الخدمة المدنية، ولكم أن تتصوروا هذا المردود وفقا لتقييم الدراسة الذي يقول إن الزمن الفعلي الذي ينفقه العامل المحلي في عمله لا يتجاوز التسعين دقيقة مقارنة بثماني ساعات ( 480) دقيقة هي الوقت المطلوب في اليوم، فهل تبقت بعد ذلك أي فرصة لحديث عن حلول اليكترونية وحكومة اليكترونية، وبالتطبيق على حال الخدمة المدنية الراهن التي نعلم جميعا مكوناتها الآنية يتضح بجلاء انها تتناسب عكسيا وتتنافر كليا مع الطفرة الاليكترونية، ولهذا لن تنجح معها أية محاولات لحلول اليكترونية متكاملة قبل أن تنجح هذه المحاولات في اصلاح مكونات الخدمة المدنية واستعدال اعوجاجها وتقويم انحرافاتها وهي معلومة للكافة، وعليه تبقى الحاجة عاجلة لإصلاح الخدمة المدنية لكي تواكب العصر ولكي تتحول من عبء مترهل، إلى ماكينة فعالة بلا بيروقراطية معوقة، أو عقلية تعتمد على التراخي وتتحرك بالرشاوى..