:: الجنون هو أن تفعل الشيء مرة تلو أخرى ثم تتوقع نتائج مختلفة، أو هكذا إحدى حكم أنشتاين الداعية إلى عدم معالجة الخطأ بذات الخطأ.. ومنذ استقلال بلادنا، وحتى ضحى الثورة هذه، وكما يوضح الحال العام حاليا، مازلنا نعيد إنتاج الأزمات والكوارث في كل مناحي الحياة العامة.. ورغم تراكم الأزمات، لم تحدث النخب السياسية نفسها بتغيير طرائق تفكيرها بحيث تبتكر وتبادر بفعل أفعال أخرى تأتي بنتائج تختلف عن السابقات.. وهذا ما يصفه أنشتاين بالجنون، وهو – فعلاً – كذلك..!!
:: وعلى سبيل المثال الراهن، ما يحدث بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير – من شد وجذب – يُعيد إلى ذاكرة الناس ما كان يحدث بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية في عهد الحكم الثنائي (نيفاشا) .. نفس الملامح والشبه، وذات الطباع.. وهذا يعني أن الوطن والمواطن على موعد مع مرحلة تشاكس أخرى، أي كتلك المرحلة التي لم يفعل خلالها الشريكان إلا ما يعكر صفو الوحدة، بحيث كان الانفصال حصاد الشراكة المشاكسة..!!
:: منذ أسبوع ونيف، ورغم المفاوضات التي (لم تفشل بعد)، بدليل أن هناك لجنة فنية تعمل بأمر المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، إلا أن الضرب تحت الحزام لم يتوقف بينهما بعد.. أحدهما يُعلن عن جدول التصعيد الضاج بالمواكب والاعتصام ، ليرد الآخر بإلغاء قرار حل النقابات والاتحادات.. وحتى مسيرة تيار النصرة والشريعة التي تحتشد في شارع القصر ليست بالبراءة التي يمكن نسبها لمناخ الحريات، بل هي (تحية عسكرية)، ومراد بها الرد تحيات قوى الحرية والتغيير..!!
:: ولعلكم تذكرون، وهم قاب قوسين أو أدنى من سُدة السلطة، نصحنا السادة بقوى الحرية والتغيير بضرورة احتواء المجلس العسكري، بحيث يكون شريكا مثاليا في المرحلة القادمة، وحاميا للنظام القادم من مخاطر الثورة المضادة.. فالمجلس العسكري يمثل المؤسسات العسكرية التي ساهمت الثورة والتغيير، وكذلك يمثل المؤسسات العسكرية التي تقع عليها مسؤولية حماية الحريات والديمقراطية.. وليس من الذكاء السياسي تأليب الرأي العام على شركاء الثورة والتغيير وحماة الديمقراطية..!!
:: ولكن لم يستبينوا النصح..وعليه، سوف يتواصل الضرب تحت الحزام إلى أن يحدث الاتفاق، وما بعد الاتفاق أيضاً.. نعم، آجلا أو عاجلا، قد يتم الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على تشكيل (حكومة شريكين أخرى)، أي كتلك التي كانت بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.. ولكن المؤسف، لن يتوقف الضرب تحت الحزام بين المجلس وقوى الحرية حتى وهما على (سدة السلطة)، أي كما كان يحدث بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية..!!
:: لن يتوقف الضرب تحت الحزام بينهما، ليدفع المواطن ثمن شراكتهما.. فالكل تمناها شراكة مثالية تقود البلاد إلى مرحلة الحرية والسلام والعدالة.. ولكن للأسف، من وحي ما يحدث حاليا، فإن الشراكة بين المجلس العسكري وقوى الحرية لن تكون مثالية حتى ولو تنازل أي طرف للآخر عن كل مقاعد المجلس السيادي.. لقد تبخرت من شراكتهما المرتقبة (الثقة)، والخلاف حول المجلس السيادي دليل على أزمة الثقة.. وكما تعلمون فإن الثقة أهم عناصر نجاح أية شراكة في الحياة..!!