فيما أرى
عادل الباز
التسامح وأبلسة الخصوم !
1
من أين جاءت فكرة أبلسة الخصوم؟ هل أنتجتها أزمنة الديكتاتوريات المتطاولة التي سدت أفق الحرية فأخرجت من الناس أسوأ ما فيهم؟ ذلك ليس صحيحا؛ فلقد شهدنا في أزمنة الديمقراطية أو الديمقراطيات أسوأ بل أقذر حالات الأبلسة والفجور في الخصومة والاتهامات، ابتداء من العمالة والفساد وحتى الاتهامات الأخلاقية!!. هل تذكرون قائدا سودانيا واحدا نجا من تهمة قذرة، لقد ألحقت بهم جميعهم وشربوا من كؤوس الخصومة القذرة!
2
بدا لي أنها منتوج الصراع السياسي المزمن والخطاب العنيف الذي ينتجه ذلك الخطاب، وهو خطاب فارغ الجوهر لا يعنى بالأفكار ولذا سرعان ما ينحط للتسفل بأبلسة الخصوم عوضا عن مناقشة الأفكار التي هي ليست موجودة أصلا في الصراع السياسي بالسودان. إذا رغبت أن تعرف حظ الأفكار في صراعاتنا السياسية فانظر إلى شح كتاباتنا السياسية والإنتاج الفكري لمنظرينا في شتى المجالات. فقر الأفكار في الصراع السياسي يؤدي إلى غياب البرامج والخطط وبالتالي يجر علينا ويلات الأبلسة. انظر إلى دعاة المشروع الحضاري الذي صدعوا به رؤوسنا ثلاثين عاما… هل قرأت مؤلفا واحدا عن ماهية هذا المشروع وكيف ولماذا؟ لم يكتب المؤمنون بالمشروع إياه حرفا واحدا أو فكرة ليجري الحوار حولها. قال لي د. التجاني عبد القادر إن الذين يتحدثون عن المشروع الحضاري لم يدرس أي واحد منهم كتبا في أي حضارة!. وهكذا إذا كانت الساحة خلوا من الأفكار فإن الطبيعي أن يلجأ السياسيون لملء فراغها بالزعيق والاتهامات والتنابز والسعي للحط من الخصوم بأي وسلية. )هنا أستثني الاستاذ محمود محمد طه رحمة الله عليه.. كان يطرح أفكارا تختلف أو تتفق معه فيها إلا أنه كان عفيف اللسان، لا طعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء وهكذا تلاميذه(.
3
السؤال: ماذا يجني السياسيون من أبلسة الخصوم؟ هل يقودهم الكسب الحزبي الضيق لشيطنة بعضهم بعضا بلا سقف أخلاقي؟. يقول د منصور خالد: )شيوع التباغض الشخصي للآخر هو من ناحية ظاهرة مرضية ومن ناحية أخرى عاهة خلقية، كراهية الشخص للآخر تعبيرا عن رغبة دفينة في تدميرة باعتباره مصدر تعاسة له(. كيف يمكن أن ندعي أننا مجتمع متسامح ونحن نسعى لشيطنة بعضنا تمهيدا لمرحلة الإقصاء؟. هل نحن مجتمع متسامح فعلا أم أنها خزعبله تضاف لخزعبلات كثيرة تظلل حياتنا الاجتماعية والسياسية؟.. نواصل.