صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

التحركات السرية لـ«اللاعبين الجدد».. قراءة وملاحظات

12

المتابع للمسرح السوداني على صعيده السياسي لا يكاد يلتقط أنفاسه من سرعة تتابع الأحداث والتقلبات التي ترسم الخطوط العريضة للمشهد السياسي السوداني، الذي احتشد خلال الأسابيع الماضية بجملة من التحركات السرية انكشف الغطاء عن بعضها عن طريق التسريبات، بينما لا يزال البعض الآخر طي الكتمان والتستر ولم يبدُ منه إلا النزر اليسير. حيث شهدت الأيام ذاتها زيارات سرية لنائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول حميدتي لإحدى الدول الخليجية وبادله مسؤولو تلك الدولة ذاتها نفس الزيارات، بينما التقى رئيس المجلس السيادي الفريق أول البرهان «سراً « رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ»عنتبي» اليوغندية، إلا أن الأخير سرّب اللقاء دون ما يشتهي الفريق البرهان، في وقت خاطب فيه رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك، الأمم المتحدة مطالباً بوضع السودان تحت البند السادس، وقد أقبل حمدوك على هذه الخطوة دون استشارة قوى الحرية والتغيير مثلما فعل البرهان في عنتبي مما فتح عليهما النيران الصديقة من شركاء التغيير من كل الاتجاهات.

عنتبي والوصاية
فقبل أن تأذن الدهشة للحواجب التي ارتفعت للقاء «عنتبي» بالنزول، عادت للارتفاع مرةً أخرى بشأن طلب رئيس الوزراء وضع بلاده تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وربما كان سبب الدهشة والإشارة أن الخطوتين عبّرتا عن حالة «انفراد» تتقاطع بشكل خطير مع مبدأ عمل المؤسسات، ويضاف إلى ذلك أن الخطوتين (لقاء البرهان ـ نتنياهو)، و(مطلب حمدوك للأمم المتحدة)، اكتنفهما الكثير من الغموض، واُثيرت حولهما كثير من الشكوك وحالة الارتياب مما دفعهما ـ كلّاً على حدة ـ إلى توضيح ما جرى في محاولة لدفع الشكوك المتصاعدة إزاء تحركاتهما التي بدت مُريبة وبحاجة إلى التوضيح، هذا إلى جانب أن الخطوتين أدتا إلى شرخ كبير في جدار الشراكة بين المكونين العسكري والمدني في مجلس السيادة، كما أدت إلى انقسام في الشارع السياسي السوداني بشكل كبير وملحوظ، كما أنهما ـ أي الخطوتين ـ لا تتسقان مع بعضهما البعض، حيث بدت كل خطوة تغرّد في سرب مختلف عن الآخر لتحقيق هدف مختلف، وكأن كل طرف يريد أن يحتمي من «انقلاب» الآخر عليه أو الانفراد بالأمر دون الآخر، وإذا كان البرهان قد أسند ظهره إلى اسرائيل للعبور إلى أمريكا، فإن حمدوك قد احتمى بالأمم المتحدة وهي خطوة ذكية قد تكفيه مطبات المحاور الدولية والإقليمية التي لها ثمنها المعروف.
ماذا عن حميدتي؟
لم يعد خافياً أن نائب رئيس المجلس العسكري الفريق أول حميدتي هو الآخر بدأ التحركات الخارجية السرية قبل صاحبيه، فهو كما يُشاع أنه رجل الخليج وأوروبا وأمريكا على حد السواء، وذلك لأنه حالياً يتحكم في ميزان القوى العسكرية في السودان وله نفوذ قوي وسط الإدارات الأهلية في أطراف السودان المختلفة، وقوته العسكرية هي التي فرضت احترام الحركات المسلحة له، وهو أمر لم تحظ به قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين رغم أنها الحاضنة السياسية للحكومة، إلى جانب ذلك أن الرجل مسنود بطموح سياسي كبير تدفعه إليه وتُعده لذلك كما يبدو القوى الإقليمية التي سبقت الإشارة إليها.
نتائج غير مباشرة
كثير من المعطيات تشير بشكل أو آخر إلى أن تحركات الفريق حميدتي لم تخرج للعلن بعد ربما لقوة السياج المضروب عليها، لكن ثمة نتائج غير مباشرة بدت تطفو على سطح الأحداث ومن ذلك تغيير الصورة الذهنية السالبة عن قوات (الدعم السريع) وتحسين صورتها خارج البلاد ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
جاء في الأخبار أن كبير المُستشارين، خبير الشؤون الخارجية بوزارة الخارجية الأمريكية، ديفيد فيليبس، أشاد بدور نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي» في حماية المُتظاهرين، ورفضه المُشاركة في المذبحة التي أمر بها الرئيس السابق عمر البشير بقتل ثُلث المُحتجين، ومات (280) شخصاً واختفى (40) على الأقل، ومع تَصَاعُد العُنف رفضت القوات المُوالية لـ”حميدتي” المُشاركة في المذبحة وعَملت على حماية المُتظاهرين.
وأبدى المسؤول الأمريكي ارتياحاً واسعاً للتطورات الإيجابية لمُحادثات السلام مع الجماعات المُسلّحة، مما يؤدي لإصلاح قطاع الأمن ونزع سلاح المليشيات غير التابعة للدولة على حد قوله.
وعلى الصعيد ذاته رفض البرلمان الألماني أمس الأول مقترحاً مُقدماً من أحزاب اليسار الألماني بعدم التعاون العسكري مع قوات (الدعم السريع)، إذن الموقف الأمريكي ونظيره الأوروبي الذي عبّرت عنه ألمانيا ربما هما نتائج لتحركات إقليمية لتحسين صورة (الدعم السريع) خارجياً، ويضاف إلى ذلك أن أوروبا تبدو أيضاً بحاجة ماسة إلى دور قوات حميدتي في ملف الهجرة غير الشرعية، التي ما زالت تسبب صداعاً نصفياً لحكومات الاتحاد الأوروبي.

موقع صحيفة الانتباهة

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد