للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
البوشي في وزارة الثورة
* اختيار سيدة لتولي حقيبة وزارة الشباب والرياضة يمثل خطوة جريئة، بل غير مسبوقة في تاريخنا السياسي والرياضي على حد السواء، إذ لم يسبق لأي أنثى أن تولت المنصب المذكور في السودان حسب علمي، لذلك نتمنى للمهندسة ولاء البوشي التوفيق في مهمتها الصعبة، إن لم نصفها بالعسيرة.
* غني عن القول أن العهد البائد دفع ثمن إهماله لقطاع الشباب غالياً، بخروج الشباب عليه في ثورة ديسمبر الخالدة، بعد أن ازدرى ذلك القطاع الحيوي، وأضعف الرياضة بتدخله السافر في شئونها، وانتهاكه لشعارٍ خالدٍ، أجهد الرياضيون أنفسهم لترسيخه عبر السنوات، ونعني به شعار (أهلية وديمقراطية الحركة الرياضية).
* يشير الشعار إلى أن الرياضة تمثل نشاطاً أهلياً وديمقراطياً، يديره الرياضيون بأنفسهم، عبر لجنة أولمبية وطنية منتخبة ديمقراطياً، تمثل قمة الهرم الرياضي، واتحادت عامة، تسيِّر النشاط وفق القوانين الدولية والوطنية المنظمة له، من دون أي تدخل للدولة في التفاصيل الفنية والإدارية، لتكتفي بمهام الإشراف والمساعدة على التمويل، ومراقبة مدى التزام تلك المؤسسات بالقوانين الوطنية والدولية، ومراجعة ميزانياتها بواسطة المراجع العام، لأنها أموال عامة.
* هبت نسمات العهد الجديد بانتصارين عزيزين حققهما منتخبان لكرة القدم (الأول والأولمبي) أمس على حساب منتخبي تشاد ونيجيريا في تصفيات كأس العالم 2022، والتصفيات المؤهلة لأولمبياد طوكيو 2020، وقد سارعت الوزيرة الجديدة ولاء عصام البوشي إلى تهنئة الرياضيين بهما في حسابها على موقع (فيسبوك)، بلفتة رائعة، أكدت بها حرصها على متابعة الملف الذي أوكله إليها الدكتور حمدوك.
* لكي لا تنخدع الوزيرة بالفوزين نذكرها بأنهما يمثلان استثناءً لقاعدة الهزائم المجلجلة، والتراجع المريع للرياضة السودانية في السنوات الأخيرة، تبعاً لإهمال الدولة للنشاط الرياضي، وسوء تدبير أمانة الشباب التابعة للحزب الحاكم سابقاً، التي سعت إلى تسييس الرياضة بنهجٍ بالغ القبح.
* من يتحدثون على الدولة العميقة يشيرون إلى ملف الرياضة من طرفٍ خفي، لأن غالب قادة المؤسسات الرياضية الحالية تم فرضهم بأمر أمانة (الخراب) التابعة للمؤتمر الوطني، بدءاً من اللجنة الأولمبية، مروراً بالاتحادات العامة، وانتهاءً بالأندية الكبيرة.
* بسبب تلك التدخلات استشرى الفساد في الوسط الرياضي، وانهارت الرياضة، ليتضح تدهورها بجلاء في مشاركة السودان الأخيرة في دورة الألعاب الإفريقية بالمغرب، حيث ضم الوفد تسعة وثلاثين فرداً، عادوا جميعاً بخفي حنين، من دون أن يحرزوا أي ميدالية، في أكبر محفل رياضي إفريقي، تصدرته مصر برقم قياسي، بلغ (273) ميدالية!
* على سيرة الفساد نذكر أن التعدي على أموال الاتحادات بالسرقة والاختلاس والتبديد على الأصدقاء والمحاسيب أصبح قاعدةً في الوسط الرياضي عموماً، واتحاد كرة القدم على وجه الخصوص، وفيه أقدم رئيسه على تخصيص مبلغ عشرين ألف دولار من أموال الاتحادات لزوجته، التي ظلت تستغل سيارة مملوكة للاتحاد أكثر من عشر سنوات.
* نقترح على الوزيرة ولاء البوشي أن تستعين بمجموعة من المستشارين الرياضيين المؤهلين، ممن تتوافر فيهم مميزات الكفاءة والخبرة والنزاهة والتجرد التام في خدمة الرياضة بتاريخ مشرف وطويل، ونحن على استعداد لترشيح بعضهم لها.
* تصريح الوزيرة عن استعادة السودان لريادته في المجال الرياضي خلال ثلاث سنوات حلم بعيد المنال، لأن حكوماتنا المتتالية ظلت تتعامل مع وزارة الشباب والرياضة ككم مهمل منذ عهود الاستقلال.
* البنيات الأساسية للرياضة منهارة، بإستادات تشبه زرائب البهائم، ومراكز شباب تحولت إلى خرابات.. والسودان بطوله وعرضه لا يمتلك أي صالة ألعاب رياضية بمواصفات دولية، وتصنيفه متأخر عالمياً في كل الألعاب.
* الصورة العامة للرياضة قاتمة، وتحتاج من الوزيرة الجديدة أن تجتهد لإصلاحها بإعداد استراتيجية مدروسة، تحوي خططاً قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، تضع بها قطاعي الشباب والرياضة على الطريق الصحيح خلال سنوات الفترة الانتقالية.
* لو فعلت ذلك ستقدم خدمة للرياضة خدمة لا تقدر بثمن، مع أمنياتنا لها بالتوفيق في (وزارة الثورة) المعنية بالقطاع الأكبر، الذي يمثل ستين في المائة من سكان السودان، وكان له شرف تفجير واحدة من أعظم الثورات الشعبية في تاريخ البشرية.