يقول السودانيون فيمن يأتي فعلاً أو قولاً أو تصرفاً غير معهود فيه ولا من طبعه المعروف وغير متوقع منه، (فلان دا جنَّ ولا شنو)، وسبق لي أن استعرت هذا الوصف السوداني وأطلقته على القيادي بالنظام البائد نافع علي نافع، وكتبت تحت عنوان (نافع دا جنَّ ولا شنو)، كان ذلك قبل نحو عشر سنوات خلون، وكان حينها نافع يشغل منصب مساعد الرئيس المخلوع ونائبه في الحزب المحلول، وكان المعروف عن نافع أنه من أشد صقور النظام تشددا وتطرفا وعصبية، حتى أن الامام الصادق المهدي (رحمه الله) أطلق عليه لقب (أبو العفين)، وأبو العفين هو حيوان مشهور باطلاق فساء شديد العفونة يستخدمه كسلاح للذود عن نفسه، وكذلك كان نافع ولكنه بالطبع لم يكن يطلق فساء في وجه خصومه المعارضين وانما كان يطلق كلاما شديد العفونة، وينسب للدكتور الترابي زعيم جماعة الاسلام السياسي (رحمه الله) عقب خروجه من معتقل ما بعد مفاصلة الرابع من رمضان، أن صحافياً سأله عن ما لفت نظره بعد خروجه من السجن، أنه رد سريعاً على طريقة المدح بما يشبه الذم (نافع صار سياسياً)..المهم أن نافع حين فاجأ المعارضين قبل الانقاذيين بتوقيعه في العام 2011 على إتفاق إطاري عرف بإتفاق (نافع-عقار)، وكانت وقتها الحركة الشعبية موحدة ولم تنقسم الى (حلو وعقار)، وكان اتفاقا جيدا يضع خطوطا عريضة لكيفية حل القضايا الخلافية التي أدت لتجدد النزاع المسلح بين الطرفين، ولما كان المتوقع من نافع عطفا على تشدده المعروف أن يكون أشرس المناهضين لذاك الاتفاق لا أن يكون هو الموقع عليه، لهذا استغربت ودهشت فكتبت (نافع دا جنَّ ولا شنو)، ولكن بعدها هجم على الاتفاق المتطرفون والمتشددون والغلاة وأوسعوه تهريجا وكواريكا وزعيقا، وسارعوا للقاء الرئيس المخلوع الذي عاد من رحلة خارجية يوم جمعة، فأعلن المخلوع الغاء الاتفاق من على منبر مسجد النور، ومن حينها لم يحدث أي تقدم في المفاوضات مع الحركة الشعبية وفشلت أكثر من أحد عشر جولة تفاوض رعاها أمبيكي فندموا عليه ندامة الكسعي، الى أن هبت ثورة ديسمبر والقت بكل (الخبوب والربوب) الى مزبلة التاريخ..
وعلى طريقة نافع في اتفاقه المشار اليه مع عقار، ومن غير المتوقع منه والمأمول فيه، وقع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو في 28 مارس الماضي، إعلان مبادئ ينخرط بموجبه الطرفين في مفاوضات لإنهاء الحرب، ونقول لم نتوقع هذه الخطوة من البرهان نسبة لرأي العسكريين في مجلس السيادة الذي عبر عنه رفيقهم شمس الدين كباشي عندما رفض ذات الاتفاق الذي وقعه حمدوك مع الحلو في سبتمبر العام الماضي، بقوله فيه (عطاء من لا يملك لمن لا يستحق)، ولهذا استغربنا ودهشنا فقلنا (البرهان دا جنَّ ولا شنو)، ولكن الأهم من (طربقات) الكباشي، ان اتفاق البرهان الحلو يعد اتفاقا جيدا ويمثل خطوة إيجابية مهمة لاستكمال مطلوبات السلام ووقف الحرب وتحقيق الأمن والاستقرار، وبناء دولة المواطنة وسيادة حكم القانون، ويعتبر بكل المقاييس خطوة كبيرة للأمام، وكما فعلت جماعات التطرف الهائجة فعل الثيران في مستودع الخزف مع اتفاق نافع عقار، هاهي ذاتها بذات شخوصها ورموزها بدأت تشرخ حلاقيمها ويعلو زعيقها وتضرب (الكواريك والروراي) وا اسلاماه، ولكن هيهات فقد ولى عهد (الخم) بالدين..