من طرائف الحُكم المايوي أنّ الرئيس نميري اجتمع بقادة ثورته لبحث قضية تصاعُد الأسعار ومعاناة المواطن الشديدة في توفير ضرورياته.
تحدّث النميري في الاجتماع العاصف ولم يترُك شيئاً وأفسح المجال لشُركاء ثورته للتعقيب وقد قالوا ما عندهم عدا زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر ( زينكو) الذي ظلّ صامتاً ولم يتحدث بكلمةٍ واحدة وليس من عادته الصمت وقد لاحظ النميري صمت رفيقه فباغته بسؤالٍ سأله فيه عن رأيه في الأوضاع فأجاب قائلا.
والله يا ريس الأوضاع صعبة جداً ولو لم نكُن في المجلس لقلبناها مرة أخرى.
نظُن ظناً لا تُدانيه الشُكوك أنّ من بين أفراد الحاضنة السياسية من خطرت ببالهم فكرة الزينكو العجيبة في الانقلاب على الوضع القائم لولا أنّهم تداركوا بأنّ ما يحدُث الأن من اضطرابٍ وفوضى في كُل مناحي الحياة هُم شُركاء فيه ويتحمّلون مُعظم تبعات ما يحدُث لنا الأن ، وهكذا حال الثائر (المحزون) الممكون الذي انتفض ضد الإنقاذ وخرج للطُرقات بخيارٍ واحد هو إقصاء النظام ، وانتصر انتصاراً باهراً في دحرها وازاحتها من المشهد السياسي ودفع في سبيل ذلك كُل غالٍ ونفيس.
وقد استبشر خيراً بأنّ شروق شمس التغيير الموجب مؤكدة بمُجرد غُروب شمس الإنقاذ ، وقد غرُبت وأفل نجمها وانزوى قادتها في زنازين المحابس يجترون بحسرة ذكرى تدميرهم لهذا الوطن العملاق وتفريطهم في مُكتسباته ، وها هو العام الثاني للثورة يُلملم في حاجياته للرحيل وما زلنا لم نتزحزح خطوة واحدة خارج ميس الأزمات التي استفّحلت وتضاعفت ، والتملمُل بات واضحاً بين الثوار.
لمن المُشتكى ..؟
مُعطيات الواقع تُشير إلى أنّ الغد لن يكون بأفضلِ من اليوم ما دُمنا كذلك ، توقفت عجلة الانتاج في بلادنا واستعصت علينا أدواتها وشحّت مُعيناتها ، وانشغال الدولة بغير التنمية يُدلنا على بؤس الغد ، وبعض الساسة للأسف ما زال يُصِر على أنّ العُبور ممكناً (بالأماني) وبتنميق مُفردات الحديث بلا أي عمل يُذكر ، فضلاً عن ما يحدُث الأن من حُروبٍ اشتعلت في شرقِ البلاد وغربها ، وسيقضي الإنفاق على هذه الحروب على الموجود في الخزينة العامة على قلته وعلى موارد وزارة المالية الماشة بقدرة قادر كما وصفتها السيدة الوزيرة.
الدولار يواصل ارتفاعه مع كُل صباحٍ جديد بعد فشل مُحاولات الأمن التضييق على من يُمسكون بزمام أسعاره ومن يُسيطرون على تجارته ، ولن تستطيع الدولة أن تُسيطر على أسعاره حتى لو سخّرت جميع قواتها ، وما هكذا يتوقّف زحف الدولار وما هكذا نستطيع أن نعبُر ونُحقق أهداف ثورتنا الغالية.
نقول لهؤلاء أنّ الأوضاع المعيشية لا تُطاق وأنّ شُح الضروريات المعيشية لا يُحتمل ولغم الأزمات قابل للانفجار في أي لحظة ولن ينفع الندم لحظتها.