كلما جاء الحديث عن اصلاح حال الخدمة المدنية المتهالك، كلما تبادرت الى ذهني تلك الطرفة التي لا أمل ذكرها، لأنها تلخص كيف كان حال الخدمة المدنية على أيام انضباطها وفعاليتها وتميز أداءها، مقارنة بحالها التعيس البئيس الماثل وما تعانيه من فوضى وترهل وسؤ أداء، والطرفة تقول إن مدرسا جديدا محبا للفن والغناء، حمل عوده في أول ليلة يقضيها في مدرسته التي نقل إليها حديثا، وأنضم الى مجلس الأنس والسمر والفرفشة الذي إعتاد زملاؤه القدامى بمن فيهم ناظر المدرسة على قضاء السهرة فيه وأتخذ مقعده بينهم، وبعد أن اكملت دورة كؤوس الخندريس شوطها الرابع وبدأت الرؤوس تدور بالنشوة، إحتضن القادم الجديد عوده وبدأ عملية ضبط الاوتار (ترن تن تن ترررن) ومع كل رنة كانت تتصاعد الآهات والأنات من الندامى، الى أن إستقامت له الوزنة وتأهب للغناء، ولأنه كان حديث عهد بالسفر والفراق والغربة عن الأهل، كان طبيعيا أن يبدأ بأغنية مطربنا الكبير حمد الريح رحمه الله (حليلو قال ناوي السفر)، فهاج الندامى وماجوا وبدأوا (ينططون ويكوركون ويلغلغون) وظلوا على حالهم هذا في هياج وهجيج الى أن بلغ المغني المقطع الذي يقول (نسكر نغيب من لطفه من دله الحبيب)، هنا فجأة هب الناظر واقفا كالمذعور وصرخ بأعلى صوته (بس..ستوب.. بلاش كلام فارغ، تسكر بطريقتك، تغيب ما برحمك، أى شيء ولا التسيب وعدم أداء
الواجب بكل أمانة وجودة وإتقان).. بالأمس تذكرت الحكومة موضوع اصلاح الخدمة المدنية، فخرج علينا المهندس خالد عمر يوسف وزير شؤون مجلس الوزراء، ليحدثنا عن أن إصلاح الخدمة المدنية من أهم أولويات الحكومة الانتقالية، وأنه من أجل ذلك ترأس اجتماع اللجنة العليا لمشروع إصلاح الخدمة المدنية، وأنهم استعرضوا قرار تشكيل هذه اللجنة وما اشتمل عليه من مهام واختصاصات تتمثل في الإشراف والمتابعة لسير مشروع إصلاح الخدمة بالتعاون مع وكالة التنمية الدولية والشركة الإستثمارية (Pwc)..وللأسف لم يكن فيما قاله السيد رئيس لجنة اصلاح الخدمة المدنية أي جديد، ففي الوقت الذي كنا نتوقع فيه الاعلان عن خطوات عملية على الأرض بدأت فعليا لاصلاح الخدمة، اذا به يعيد علينا ما هو معلوم بالضرورة، فالمعروف أن الوكالة الامريكية للتنمية الدولية تكفلت قبل ستة شهور أي في فبراير الماضي بتمويل مشروع الاصلاح في مرحلته الأولى بإعداد الدراسة والتقييم، وتقدمت (١٩) شركة عالمية بعطاءاتها لإعداد الدراسة والتقييم لنظام الخدمة المدنية الحالية في السودان وبإشراف مباشر من وزارة شؤون مجلس الوزراء علي إجراءات فرز وتقييم ودراسة عطاءات الشركات المتقدمة، فقد تم اختيار (٣) شركات من المتقدمين بأفضلية عطاءاتها، ومن ثم تم اختيار الشركة الفائزة بأفضل عطاء وهي شركة Price Waterhouse Coopers (PWC) حيث وقعت معها الوكالة الامريكية للتنمية الدولية عقدا لإجراء الدراسة والتقييم لجهاز الخدمة المدنية وذلك في مطلع مايو الماضي. ولكن بعد مضي كل هذا الزمن ما يزال موضوع اصلاح الخدمة يراوح مكانه، رغم الاهمية القصوى لاصلاح الخدمة، فعملية البناء والتعمير والتنمية لن تتم الا في وجود خدمة مدنية فاعلة ومقتدرة.