الأنانية أهم محركات الاقتصاد في الفكر الاقتصادي الحر
تقوم أفكار آدم سميث على نظام اقتصاد عدم التدخل وعلى وجود قوة خفية تحرك الاقتصاد، وعلى مبدأ دعه يعمل دعه يسير. وهي بالتالي أفكار ترسِّخ مفهوم النزعة التجارية الخاصة البحتة باعتبار أن فكره يقوم على تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. بل أن المصلحة الخاصة (في نظره) هي التي تحقق المنفعة العامة. فهو يرى بكل بساطة أن الإنسان أناني بطبيعته، وأن هذه الأنانية ليست سيئًة بالضرورة. فالجزَّار الذي يبيع اللحوم للناس لا يفعل ذلك بدافع توفير اللحوم الطازجة لهم بأسهل طريقة، لكن بدافع تحقيق أقصى ربح من نشاط بيع اللحوم، وهذا الدافع هو الذي يدفعه للاهتمام بجودة اللحوم التي يبيعها وبقدرته على تقديمها طازجة للناس، فبحسب سميث (نحن لا نعيش بفضل كرم صاحب الصنعة جزارًا، أو خبازًا، أو حدادًا، أو بقالًا، فهؤلاء يسعون إلى مصالحهم الخاصة). وفي نفس الوقت كلما كان سعر اللحم مرتفعًا كلما تزايد إنتاج تاجر اللحوم لتحقيق أعلى ربح. وبما أن الأنانية من طبيعة البشر، سيحاول تاجر آخر منافسته في تجارة اللحوم، وهذه المنافسة ستؤدي بالضرورة إلى زيادة المعروض من اللحوم وبالتالي خفض الأسعار، وهو ما يحقق المنفعة العامة للناس. وبالتالي تتحقق منفعة الناس العامة انطلاقًا من سعي كل فرد في المجتمع لتحقيق مصلحته الخاصة. أي من خلال (الأنانية) أو المصلحة الفردية وحرية الإنتاج والتجارة يصل المجتمع إلى المزيد من السلع وبأسعار منخفضة. هذه المصفوفة من التنافس في البحث عن المصلحة الخاصة والربح، وفقًا لآدم سميث، تؤدي إلى إشباع حاجات الناس، وإلى تحقيق أرباح للمنتج أو التاجر، وبالتالي إلى وفرة السلع واستقرار أسعارها، وهو ما يحقق المنفعة العامة للمجتمع دون أي حاجة لتدخل الدولة. وهو ما أطلق عليه سميث (اليد الخفية) فقد جاء في الفصل الرابع من مؤلفه ثروة الأمم، أحد أهم الكلاسيكيات في علم الاقتصاد السياسي، ما نصَّه: (توجه كل فرد في صناعته نحو أكبر قيمة إنتاج ممكنة، ما هو إلّا سعي نحو ربحه الخاص وليس شيئًا آخر. على هذا فهو مُوجّه عبر يدٍ خفيّة، يُحقق غاية لا يُدركها وعيه. فهو بسعيه نحو مصلحته الخاصة، يُقدّم النفع والمصلحة للمجتمع وبفاعلية أكبر). ولم يختلف آدم سميث كثيرًا في نزعته التجارية المجردة وعدم اهتمامه بمعالجة الفقر، عن الفكر التجاري المركنتالي القائم على النزعة الخاصة البحتة لتحقيق الربح، وفكر ديفيد هيوم، في أن تقليل تكلفة العمل هي أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى مراكمة الثروة. فجوهر مقولته (دعه يعمل دعه يسير) يشتمل ضمنيًا على مفهوم أن العمل هو الأساس الذي تقوم عليه قيمة السلعة، أي أن سعر السلعة يتحدد وفقًا لكمية العمل اللازم لإنتاجها. ولم يكتفِ آدم سميث في نزعته التجارية بذلك الحد الذي دفع العديد من علماء الاقتصاد بوصف أفكاره بأنها غير أخلاقية، بل ميَّز بين القيمة الاستعمالية (أي المنفعة التي تتحقق للمستهلك من استعمال السلعة)، وبين القيمة التبادلية للسلعة (أي السعر الذي يبادل به الناس هذه السلعة أو تلك مقابل السلع الأخرى). فالقيمة الاستعمالية أساسها المنفعة الشخصية، في حين أن القيمة التبادلية للسلعة تتحدد وفقًا لآلية العرض والطلب، واعتبر، أن الأساس في تحديد سعر السلعة بجانب كمية العمل الذي بُذل في إنتاجها هو قيمتها التبادلية وليس قيمتها الاستعمالية أو منفعتها. ولتبسيط الفكرة نستدعي المثال التقليدي المقارن بين سلعتي الماء والماس. فالماء سلعة لها منفعة كبيرة للناس وبدونها لا يستطيعون العيش، إلا أن قيمتها التبادلية تكاد تكون معدومة في أغلب الأحيان. أما الماس فقيمته التبادلية عالية جدًا لندرته، في حين أنه عديم المنفعة في حد ذاته. فلا يمكن للإنسان أن يأكل الماس، أو يشربه، أو ينام عليه، أو يتخذه علاجًا للأمراض، ولن يضار شيئًا إذا استغنى عنه. هذا الفهم، ليس فقط في فكر آدم سميث، بل في الفكر الرأسمالي عمومًا، هو الأساس الذي قامت عليه الاقتصاديات الرأسمالية الإمبريالية الوهمية في عالمنا المعاصر والتي تعتبر أحد أهم الخصائص التي تميز العولمة المعاصرة والتي من أهم خصائصها أنها تقوم على اقتصاديات وهمية تستند على أصول وهمية ليس لها قيمة أو منفعة في حد ذاتها كالمشتقات المالية في أسواق المال العالمية أو الصكوك الإسلامية شهامة وأخواتها على سبيل المثال.
أفكار آدم سميث وفقًا لمفهوم (اليد الخفية) كمحرك للاقتصاد، وبرغم عظمته كعالم اقتصاد فذ أنتج مؤلف (ثروة الأمم) أحد أهم وأعظم الكلاسيكيات الاقتصادية في تاريخ الفكر الاقتصادي إلا أن أفكاره في نهاية الأمر لا تختلف في تغليبها للمصلحة الخاصة على المصلحة العامة ومحاولة بلورة تكييف أخلاقي (يتناقض مع الفطرة الإنسانية السليمة) لمفهوم الأنانية في اللغة والاصطلاح عن أفكار الترابي وحسن البنا وأبو الأعلى المودودي وابن تيمية وعبد الرحيم حمدي وتاج السر مصطفي وغيرهم من دعاة خصخصة الأموال العامة ومقدسي المصالح الخاصة على مستوى الفكر والممارسة والتجربة.