مع تصاعد وتيرة تمرد الشعب على ممارسات وسياسات نظام لا يعرف الرحمة، إرتفعت حمى الكنكشة لدى منسوبي الحزب الحاكم بعد أن كشفت الثورة عورة نظامهم وعرَتهم تماما أمام الرأي العام المحلي والخارجي، فباتت (الهضربة) هي سلاحهم، وإستخدام كافة الأساليب لإستعادة وضعهم وإيقاف هدير الثوار، مرة بالتحنيس، ومرة بالتهديد والوعيد، ومرات بإستخدام إبر التخدير منتهية الصلاحية المتعلقة بتحسين الأوضاع، وحلحلة المشكلات، ووعود لم تسمن ولم تغن من جوع لثلاثين عاما، وغيرها من أساليب الطبطبة لكسب المزيد من الوقت.
وإنتقلت ذات الحمى والهضربة إلى منسوبي الأحزاب (الرديفة) بالحكومة ولن أقول الحليفة، لأن الاحزاب الحليفة يمكن أن تتفق مع حلفاءها في حدود وتختلف معهم في أخرى، وفي حال وصلت نقاط الخلاف بينهما إلى الحد الذي يتعارض مع مصالحها فمؤكد أنها ستنفض يدها وتعلن فضَ الشراكة على الملأ منعا لتضرر مصالحها، أما الأحزاب الرديفة فهي مجرد (ترلَة) وصدى للحزب الآخر ولا دور لها سوى القيام بما يُفرض عليها من أدوار باهتة وفي الغالب(شيل وشَ القباحة).
وعلى سبيل المثال ما صرَح به رئيس لجنة الطاقة والتعدين بالبرلمان والوزير السابق عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل، حاتم الوسيلة، بأن أزمة الوقود خلقت نوعاً من الهلع وسط المواطنيين، داعياً لتضافر الجهود بين المواطنين بالمساهمة في الرقابة وأجهزة الدولة بتوفير النقد الأجنبي لتوفير الوقود بغية للقضاء على الهلع، قاطعا بأن إنجلاء أزمة الوقود بالبلاد مرهونة بتوفير النقد الأجنبي لوزارة النفط للإستيراد، (ولم يسأل نفسه أين تذهب أموال البلاد، وفي أي بند يذهب النقد الأجنبي هذه الايام). بالتأكيد هو يعلم قبل غيره بأن بند إستيراد الاسلحلة و(البمبان) الذي تطلقه حكومته على المواطنين العُزَل. يأت في مقدمة أولويات الحكومة وأحد أسباب شحَ النقد الاجنبي، وهو أولى من إستيراد دقيق القمح والدواء، ومعروف ان جميع أسلحة القمع التي تستخدم حاليا لفضَ التظاهرات مستوردة بالعملة الاجنبية وليست بالجنيه السوداني المنهار، كما وان الأموال التي يصرفها سيادته وموظفي حكومته إستقطاعا من مال الشعب، لا تمنحه الحق في مطالبة المواطن القيام بالدور الرقابي الذي يفترض ان له جهاته وقنواته وميزانياته بالدولة، ولكن غضَ الطرف عن كل ذلك أحد الادوار المطلوبة من حاتم الوسيلة ومن جميع الوزراء والمسؤولين المؤلفة قلوبهم من أحزاب رديفة.
وايضا التصريحات السخيفة لوزير الداخلية احمد بلال(الاتحادي الاصل) الذي يعتبر مدافعا عن المؤتمر الوطني أكثر من وزراء الحزب الحاكم انفسهم، وتهديداته المتكررة للمواطنين المطالبين بحقهم في الحياة الكريمة داخل وطنهم، بأن الشرطة ستقف لهم بالمرصاد وستدافع عن أمن الوطن بالغالي والنفيس حسب تصريحه الأجوف امس الاول.
هذه وغيرها من تصريحات لمسؤولين لم يكن لهم من مكان في خارطة العمل السياسي او التنفيذي بالدولة ما لم يكن الحزب الحاكم هو الحاضنة السياسية والاجتماعية والمالية لهم.
المعالجات الاقتصادية ودعم المجتمع لا يأت بالتصريحات الوهمية وإبر التخدير، بل بالتخطيط الاستراتيجي الجاد البعيد عن الخطب الرنانة وإبتزاز العواطف. ويأت بمعالجة أسباب تراجع معدلات الانتاج وجفاف الصادر، وضخامة الوارد، وإختلال كافة الموازين، والهجرة من الارياف للمدن، ومعالجة اسباب تفاقم معدلات البطالة ووقف سيول الهجرة للخارج، وتوفير فرص العمل لطلاب الجامعات والشباب عموما بتأسيس المشاريع الانتاجية الحقيقية وليست مشاريع الشوفونية التي ظاهرها الإنتاج وباطنها التجنيد.
المعالجات الاقتصادية التي يريدها الشعب هي معالجات واضحة لا تحتاج للتَ ولا عجن لجان وامانات المؤتمر الوطني، ولا مداهنات وتمليس السماني الوسيلة ولا تهديد احمد بلال، المعالجات تبدأ بذهاب النظام الفاسد أولا، والضائقة الاقتصادية ستنتهي يوم إعلان إستقلال السودان من النظام الحالي، الذي أثبت إفلاسه الفكري ونضوب معينه التخطيطي والسياسي.