لا جديد يذكر سوى تعرض موكب أطفال المدارس بمدينة الأبيض للرصاص الحي أمس الاثنين، ما أسفر عن سقوط خمسة أطفال بذخيرة مصوبة مباشرة على الرأس، وفقا للجنة أطباء السودان المركزية وجرح العشرات ليضافوا إلى قائمة ضحايا العنف في عهد المجلس العسكري الذي يحكم البلاد منذ الحادي عشر من أبريل الماضي.
ردة فعل الولاية
انطلقت تظاهرات سلمية عفوية لطلاب المرحلتين الثانوية والأساس في مدينة الأبيض احتجاجا على ندرة الخبز وانعدام المواصلات والمياه والانقطاع المتكرر للكهرباء وجابت شوارع المدينة، وفى السوق جوار بنك الخرطوم تمت مواجهة المتظاهرين بالرصاص ما أدى إلى سقوط 4 طلاب ومواطن. وقال الوالي إن حكومة الولاية بدأت التحقيق لمعرفة الجهة التي أطلقت الرصاص على المتظاهرين.
والي شمال كردفان اللواء الصادق عبد الله الطيب أعلن الطوارئ وحظر التجوال في الولاية من التاسعة مساء إلى السادسة صباحًا قبل أن يقول إن التظاهرة تحولت لأعمال شغب عقب دخول مواطنين وسط طلاب المدارس، معلنا تشكيل لجنة تحقيق للتوصل إلى الجهة التي أطلقت النار على الطلاب في مجزرة التاسع والعشرين من يوليو. وأوضح الوالي في قراره أن حظر التجوال يأتي في إطار جهود الولاية للحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي والمحافظة على أرواح المواطنين والممتلكات العامة.
توالي الأحداث
ما حدث في الأبيض بشمال كردفان سبقته أحداث دامية في مدينة السوكي بولاية سنار إبان أربعينية مجزرة القيادة العامة التي شهدت احتكاكا بين القوات الأمنية وبالأخص قوات الدعم السريع والمتظاهرين الذين سقط منهم عدد من الضحايا، مما استدعى سحب قوات الدعم السريع إلى خارج المدينة ونزول الجيش واستلام الارتكازات التي كانت ترتكز بها، إضافة إلى سقوط ضحايا خلال موكب العدالة أولا الذي دعت له قوى الحرية والتغيير في الـ30 من يونيو الماضي عند مدخل جسر النيل الأبيض، وما أعقب ذلك من عثور على ثلاثة شباب تمت تصفيتهم بأم درمان، وقبل ذلك كله كانت فاجعة فض اعتصام القيادة العامة فجر التاسع والعشرين من رمضان الماضي أمام القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم وأخيرا في شمال كردفان التي لم يعلق عليها المجلس وإن كانت غالبية تعليقات أعضائه تركز على فرضية وجود طرف ثالث يسعى لمباعدة الشقة بينه والشارع وقوى الحرية والتغيير.
الموت بالجملة
قرار والي شمال كردفان تشكيل لجنة تحقيق للحادثة تجيء بعد يومين من إعلان نتائج لجنة التحقيق في مجزرة فض الاعتصام في التاسع والعشرين من شهر رمضان التي راح ضحيتها العشرات وأصيب فيها المئات.
ويشير المحلل السياسي الحاج حمد في حديثه لـ(السوداني) إلى أن تشكيل لجنة تحقيق جديدة فيما جرى بالأبيض يعني الاستمرار في ذات الأساليب التي تؤدي للإفلات من العقاب منذ 1989م وحتى الآن، مبينا ألا جديد يمكن أن تكشفه اللجنة في ظل تنازع المجلس بين مراكز القوى التي تتخذ القرارات فيما يخص العنف بعيد عن المجلس العاجز بحكم توازنات قوى داخلية وخارجية من التصرف حيالها.
تنازع داخلي
تجمع المهنيين السودانيين القائد للحراك اعتبر في بيان له أن المجلس العسكري فشل في اجتياز مهمته التي يتسلح بها في مواجهة المدنية المرغوبة من قبل الشارع، مشيرًا إلى أن الشعب اختبر العسكري في ادِّعائه إبان مجزرة الثامن من رمضان وفي مجزرة العيد الشهيد، وما سبقها وتلاها من جرائم، وأمس اختبره في الأبيض وهي كلها حوادث كان القاسم المشترك فيها وجود مكثف لقوات المجلس العسكري على الأرض في وقت لم تحرك ساكنا جراء ما يتعرض له المواطنون من عنف وانتهاكات مكتفية بالفرجة.
وهنا يقول المحلل السياسي الحاج حمد إن المجلس العسكري عاجز عن فرض سيادة الدولة في مواجهة سيادية التيار الحزبي الذي ثار الشعب ضده، مبينا أن قوى تقليدية تتبع للنظام السباق ما تزال تتحرك والمجلس غير قادر على كبحها، ملمحا إلى وجود معسكرين داخل المجلس ويتمظهر ذلك في توقيف حميدتي لانقلاب القصر في الأيام الماضية الذي داهمته لجنة التحقيق لذر الرماد على العيون وصرف الأنظار عنه.
الحل الأمني
المجلس العسكري ظل ينفي على الدوام لجوءه للخيارات الأمنية في مواجهة أي عمل احتجاجي باعتبار أن الأساليب الأمنية غير مجدية للتعامل مع مقتضيات الواقع الذي أقرته الثورة السودانية منذ اندلاعها في ديسمبر الماضي، طبقا لتصريحات سابقة لعضو المجلس صلاح عبد الخالق، إلا أن الناظر يجد أن المجلس يسير بذات خطى نظام المخلوع، من خلال الاحتياطات الأمنية الضخمة التي أظهرها في الشارع إبان مليونية الـ30 من يونيو، وهي مليونية سبقها قطع الإنترنت من البلاد عقب ما شهدته البلاد ليلة فض الاعتصام؛ ليمضي عسكر شمال كردفان في ذات الطريق واستخدام ذات الأسلوب بحجب خدمة الإنترنت بالولاية حسب شهود عيان ومواطنين، وهو ما يعتبره المحلل السياسي حاتم الياس في حديثه لـ(السوداني) دليلا على عدم امتلاك المجلس العسكري لحلول سوى الخيارات الأمنية باعتبار أنه قادم من نظام لا يعرف سوى الأساليب الأمنية، ولجوءه إليها يؤكد عدم مقدرته على التفكير خارج حدود الدائرة الأمنية وأساليبها لمواجهة أي حروب أو مشكلات ويذهب إلى أن الأمر تعدى قانون الطوارئ إلى حالة ما يشبه حربا يشنها المجلس العسكري على المدنيين.