مؤسف جداً أن يستمر جدلنا في حظر أو السماح للمنتجات المصرية بدخول السودان دون أن نصوب على السؤال الأساسي، ولماذا نستورد أصلاً )فواكه وخضروات وأسماك( من مصر أو غيرها؟!.
بالأمس لامست هذه الحسرة في نهاية مقال اخترت أن يكون عنوانه )مرحباً بالمنتجات المصرية..(، من باب جلد الذات أولاً، ومن قبيل الاحتفاء بتجربة مصر الزراعية، وقد استطاعت عبر استصلاح الأراضي واللعب في المساحات الضيقة أن توفر منتجاتها لمواطنها بأسعار زهيدة وتصدر كذلك للعالم والجوار.
جاري الصديق الأستاذ جمال علي حسن، على ذات الصفحة كان أكثر عمقاً وألماً في تناول هذه الجزئية تحديداً وهو يختار )فلنأكل مما تزرع مصر( عنواناً لمقاله، ربما أراد جمال بعنوانه الذكي أن ينكأ جرحنا القديم المرتبط بشعار نبيل رفعناه ولم نتمكن من تحقيقه على استراتيجيته واكتمال أدوات تنفيذه في السودان )فلنأكل مما نزرع(، ولكن ماذا نفعل في من تولوا العمل التنفيذي خلال فترات مختلفة وفشلوا في إحالة أفضل شعارات الإنقاذ إلى واقع معيش.
الحقيقة المرة تقول إننا في زحمة جدلنا بشأن دخول المنتجات المصرية أهملنا الصورة السالبة التي يمكن أن تؤثر على سمعة بلادنا المدخرة لتحقيق الأمن الغذائي العربي، حبانا الله بأراض زراعية خصبة ومياه ومساحات ممتدة ومناخات متباينة لو تم استغلالها لحققت شعار السودان )سلة غذاء العالم(.
تمنيت لو راجعت الحكومة استراتيجيتها الزراعية ووفقت أوضاعها كبلد مدخر لأحلام شعوب وحكومات كثيرة ترى في بلادنا مخرجاً من أزمة غذاء تحاصر العالم الآن، كثير من المبادرات الكبيرة التي كان بإمكانها أن تخرج بنا إلى بر الأمان قتلها الإهمال ووأدتها اللامبالاة وشيعتها البيروقراطية.
هل تذكرون )مبادرة السودان للأمن الغذائي العربي(، أفضل أجندة القمم العربية على الإطلاق، لماذا تراجعت في أولوياتنا وقد هم بها الأشقاء لأنهم رأوا فيها مخرجاً حقيقياً من أزماتهم الكبيرة في مجال الغذاء والإنتاج الزراعي والحيواني.
للأسف نتحدث عن المنتجات المصرية )جدل الحظر وقرار الدخول(، بينما أهم أجندة القمة العربية الاقتصادية المقبلة في بيروت والمنعقدة في يناير المقبل ملف )مبادرة البشير للأمن الغذائي العربي( والتي ستجعل السودان مستقبلاً لاستثمارات تهدف لسد احتياجات العالم العربي، لابد كذلك من الإشارة إلى أن قمة الأردن العربية شكلت بالفعل الآلية المنفذة لمبادرة الرئيس البشير.. أرايتم المفارقة المحزنة.
غني عن القول أن المبادرة اعتمدت بتأييد ودعم من العاهل السعودي السابق الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، وقد حظيت بظهور لافت في كافة القمم العربية السابقة حتى إن قمة شرم الشيخ عام 2015 عدتها إحدى ركائز الأمن القومي العربي مروراً بقمة البحر الميت عام 2017 والتي شكلت آلية تنفيذية للمبادرة من الصناديق العربية والمنظمة العربية للتنمية الزراعية والعديد من الهيئات الأخرى.
وبينما أكدت قمة الظهران 2018 وجوب التنفيذ إلا أن إهمال وزير المالية السابق للنداءات المتكررة بتوجيه الدعوة لآلية المبادرة للانعقاد بالخرطوم، حرم السودان والعالم العربي الاستفادة من المبادرة الخلاقة حتى الآن، وجعلها في أرشيف اهتماماتنا على الرغم من حضورها الكبير في استراتيجية وأجندة الأمن القومي العربي؛ معلوم بالطبع أن الجهة المشرفة على أمر المبادرة في الداخل هي وزارة المالية.. أرأيتم كيف تضيع الفرص؟!
نلتمس من وزير المالية رئيس مجلس الوزراء معتز موسى فتح ملف مبادرة الرئيس لتحقيق الأمن الغذائي العربي والدعوة لانعقاد الآلية بالخرطوم، نحن في أمس الحاجة إلى تدفقات نقدية واستثمارات زراعية تنفذ قرارات القمم العربية المختلفة دون إبطاء، وحتى تستشعر قمة بيروت المنعقدة بعد شهرين كذلك أننا تقدمنا خطوة، ماذا لو تسلمت وزارة الزراعة هذا الملف لأنها المعنية بالاستثمارات في مجالات المبادرة بحكم ولايتها على الشأن الزراعي بالسودان، افتحوا هذا الملف فإن به خيراً كبيراً لأهلنا ووطننا وللشعوب العربية.