مَهَرَت وزارة الخارجية، خطاباتٍ لعددٍ من منسوبيها خلال اليومين الماضيين، خلاصته مُطالبتهم بالعودة إلى مقر الوزارة بنهاية نوفمبر المُقبل، البعض اعتبر ما رُشح من معلوماتٍ في هذا الصدد هو بداية لعملية (الكَنس والمَسح) التي ستتم بأمر الثورة لرموز وكوادر النظام السابق، خَاصّةً وأنّ سياسة التمكين تمّت بشكلٍ صارخٍ في الخارجية، غير أنّ مصدراً مَأذوناً بوزارة الخارجية نفى أن تَكُون خَطوة الاستدعاء بذات الفهم الذي تَنَاقَلته وسائط الإعلام بأنّ هناك حَملة تَطهير ستشمل سفراء ودبلوماسيين بوزارة الخارجية، وأكّد أنّ ما جَرَى تمّ وفق إجراءات تنقُّلات عادية، درجت الوزارة على القيام بها في كل الحقب السابقة، وأنّ الدبلوماسيين الواردة أسماؤهم لم يتم إنهاء خدماتهم، وإنما تم نقلهم في إطار التنقُّلات الروتينية لوزارة الخارجية بعد انتهاء مهامهم في البعثات.
وفق قانون السلك
وزارة الخارجية وفق قانون السلك الدبلوماسي، تعني الديوان العام لوزارة الخارجية وبعثاتها الدبلوماسية في الخارج، وأنّ التنقُّلات تُجرى فيها سواء داخلية أو خارجية وفق القانون وهي مُمارسةٌ عاديةٌ وطبق المعلومات، فإن إجراءات التنقُّلات تتم وفق قوانين العمل فيها، حيث يُمكن لمنسوبها أن يتم استدعاؤه بعد أقل من عام إن دعت الضرورة لذلك.
دواعي الاستدعاء
دَرَجَت وزارة الخارجية على القيام باستدعاءات لكوادرها الدبلوماسية وفق جُملة من المُبرِّرات وهي عملية تحدث عادةً بشكلٍ طبيعي، بعض الاستدعاءات قد تكون لدواعي انتهاء الفترة المُقرّرة للبقاء، السفير أو الدبلوماسي في البعثة المعنية وهي أربع سنوات، أو ربما السفير أو منسوب الوزارة وصل سن المعاش.
تَغييرٌ بأمر الثورة
لكن وحسب مصادر واسعة الاطلاع، فإنّ وزارة الخارجية وتحت قيادة الوزيرة أسماء محمد عبد الله التي اختارها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، سَتنفِّذ مهام المرحلة وفق مفهومٍ مُحَدّدٍ، فهي وفق المعطيات وزيرة ثورة، وبالتالي مُلزمة بتنفيذ ما يلي العلاقات الخارجية الوارد بالوثيقة الدستورية، وهي نفسها مُلتزمة بالوثيقة (وهذا هو المطلوب منها بالضرورة)، وبالتالي الوزيرة أسماء مُفوّضَة بتنفيذ ما يلي الخارجية في الوثيقة وفقاً لمطلوبات وأولويات حكومة الفترة الانتقالية التي حَدّدتها حكومة حمدوك وهي مُتطلبات تُلبِّي تطلُّعات الشعب السوداني، بالتالي ووزارة الخارجية لا بُدّ لها أن تكون مُنسجمة مع دولاب العمل الجديد وتَشرع في تنفيذ مهامها خاصّةً العاجل منها، لأنه ليس من المصلحة، وقطعت المصادر بأنّ وزارة الخارجية كغيرها من أجهزة الدولة الأخرى بدأت تتعافى، وأنّ الفترة القريبة ستشهد أخباراً جيدة تدعم هذا التوجُّه الثوري الجديد.
هذه أُسس خارجية الثورة
رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، حدّد لحكومته الانتقالية سياسة خارجية تقوم على قيم وأُسس المبادئ الراسخة للقانون الدولي، سياسة خارجية لدرء الفتن والمظالم وتَحقيق المَنفعة للسودان وإعلاء قِيمة المَصَالح القومية والوطنية العُليا للبلاد تُجَسِّدها المُمارسة الدبلوماسية وليس لخدمة النظام، وقال إنّ السِّياسة الخَارجية التي سَنطبِّقها يجب أن تعكس استقلالية القرار السياسي الداخلي الذي يُعبِّر عن سيادتنا، فضلاً لإخراج البلاد من عزلتها السِّياسيَّة والإقصاء السِّياسي لثلاثة عُقُودٍ إلى فضاءٍ سياسي رَحبٍ لإِقَامَة علاقاتٍ جَيِّدةٍ مَع دُول الجوار والعُمق الأفريقي وتَرتكز على تَبَادُل المَنافع التِّجاريَّة، وقال حمدوك: سنتبع خارجية ترسِّخ احترام مبادئ السلم والأمن وعدم التدخُّل في شؤون تلك الدول، واحترام خياراتها، فكراً ومُمارسة استراتيجية، وتَسعى حُكومة حمدوك أيضاً في المجال الخارجي انتهاج سياسة تستعيد دور السودان كدولةٍ فاعلٍة وشريكةٍ في تحقيق التعاون الإقليمي والدولي المُشترك لصيانة السلم والأمن الدوليين بأبعاده كَافّة، تنأي بالبلاد عن سِياسات المَحاور والأحلاف السِّياسيَّة المُضرة.
هيكلة الخارجية
ويرى مُحلِّلون أنّه يجب أن تشمل هيكلة الوزارة، رئاستها وخارطة تمثيل السودان الخارجي مِن سفارات وبعثات كأولوية، وأن تشمل التغييرات، الهيكل الوظيفي والراتبي بما يُحقِّق خلق دبلوماسية فاعلة ومُؤثِّرة وأقل كُلفةً، وفق موجِّهات علمية تُواكب التّطوُّر الهائل في المُمارسة الدبلوماسية الدولية.
تصرٌّفٌ سليمٌ
السفير والمُحلِّل الدبلوماسي الرشيد أبو شامة، وصف ما جرى من استدعاءات لبعض السفراء والدبلوماسيين بالتصرُّف السَّليم، خَاصّةً إنْ كان بينهم من له ولاء للنظام السابق، وأكّد لـ(الصيحة) أنّ من يمثل السودان بالخارج يجب أن يُنفِّذ بَرنامج وأجندة الحكومة القائمة، ويرى أنّ الوضع تَغيّر الآن، ولا يُمكن أن يكون هناك دبلوماسيٌّ يمثل الحكومة ويُعارض النظام الجديد، وأَضَافَ: السفير يجب أن يُدافع عن حكومته كمبدأ عامٍ ويشرح برامجها، خاصّةً فيما يلي رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وإعفاء وغيرها من برامج هي أولويات العمل الخارجي الآن، وقال إنّ السودان حَقّقَ حالياً نصراً دبلوماسياً كبيراً باعتماده عُضواً في لجنة حقوق الإنسان، ووفق الرشيد فإن عدداً من دبلوماسيي البلدان الراقية يتقدّمون باستقالاتهم عندما يجدون أنفسهم لا يستطيون العمل في النظام الجديد.