دائماً ما تأسرني القصص الانسانية المؤثرة فلا أستطيع تجاوزها، وقصة اليوم عن لاعب كرة قدم ملأ الدنيا وشغل الناس، تغنت له الجماهير وحملته على الاعناق وهتفت باسمه، ولكن الدنيا أم قدود (ضل الضحى)، كشرت في وجهه فصار هو من يحمل الناس على ركشته، انه لاعب الهلال الفذ عصام بلاتيني.. وعن قصة بلاتيني يقول الصحفي عثمان الأسباط (بحيويته التي إشتهر بها في الملاعب يجوب عصام بلاتيني” الشوارع بـركشته، يقل المتنقلين من وإلى الأحياء المختلفة بمنطقة الجرافة والثورات، ما يكتنزه من دخل الركشة يعيل به أسرته الصغيرة وهو راضٍ بكسبه من عطائه في العمل. عصام عبد الحميد (بلاتيني) الذي لمع نجمه بداية تسعينيات القرن الماضي، استهل مسيرته الكروية مع فريقي النصر والتاج الأمدرمانيين، فظفر به الهلال عام 1989 بعد معركة شرسة مع نده التقليدي المريخ، لعب للأزرق مع جيل صنع أمجاد النادي الكبير بقيادة العملاق طارق أحمد آدم، منقستو، منصور بشير تنقا، جمال الثعلب، مجدي مرجان، وليد طاشين، عادل العوني ومبارك سليمان، شارك أساسياً وتخصص في الضربات الثابتة حتى أطلق عليه لقب (بلاتيني) نجم الكرة الفرنسية في ذلك الزمان، غادر بلاتيني الأزرق وفي القلب حسرة بعد مجزرة الشطب الجماعي في العام 1993 التي طالت16 لاعباً أساسياً من أبناء جيله، هاجر إلى سلطنة عمان واحترف بنادي البستان، ثم عاد إلى السودان ولعب لفريق الشبيبة بورتسودان والأحرار الأمدرماني ثم اعتزل اللعب. يسكن بلاتيني حي الجرافة أم درمان بـالايجار لأنه لم يكتنز من مسيرته الكروية سوى حب الناس، يعمل عصام سائق ركشة يتجول بها في أحياء البقعة ليكسب منها الرزق الحلال من أجل توفير لقمة العيش لأبنائه الخمسة..
عن مثل الحال الذي آل اليه بلاتيني، قال شاعر شعبي (دنيا عجيبة جدا في أسرارها الدفينة، ناس في سعادة دايمة وناس باكية وحزينة، ناس تشوي وتحمِّر وناس كل يوم سخينة، وناس رصيدها فايض وناس ما اتحل دينها..وقال المجيد حميد (حكم انقلابات التساب دوارة دنيا فرندقس، نتجارى فيها سبق سبق نخسر بعض في هين تراب، نتلاوى عند فتح اللبق فاكرين برانا أهل عقاب، تاري البحر عوافي عندو معانا حق، يا الدنيا زي سكرة وتفك من راسو فك، بعض المسافات اتلغت، الفارغة طنبجا والملانة اتفرغت..صحيح أن الدنيا دوارة وفرندقس والزمان دفيس الما عندو غنماية يحلب التيس، كما يقول أهلنا في الغرب الحبيب، أو كما يقول أهلنا الحمر (بفتح الحاء)، الدنيا أم دروب تدلي الراكب وتركب الأقروب، والأقروب هو الذي يسير راجلاً..فها هو بلاتيني بعد أن اعتزل وفارق الميادين، انحسرت عنه الأضواء وخبا منه ذياك البريق، ولم يعد يملك من اسباب الرزق سوى ركشة، لقد كان في مقام عزيز كافوري على رأي طرفة فناننا الضخم معنى ومغنى ومبنى المرحوم أبو داؤود، غير أنه الآن أصبح عزيز قوم ذل، وطرفة أبو داؤود التي حكاها عن نفسه مؤداها أنه نال قرضا من البنك الزراعي، امتلك بموجبه بعض الفدادين بضاحية الحلفاية زرعها برسيما، ولكن المشروع فشل وكبده خسائر فادحة، ورغم ذلك لم ترأف إدارة البنك بحاله وظلت تلاحقه لتسديد القرض وإلا فسوف يرى، فكتب إليهم أبو داؤود يستعطفهم (أنا عندما عملت المزرعة دي كنت قايل نفسي حأبقى زي عزيز كافوري، ولكن للأسف بقيت عزيز قوم ذل).. فلا أمان للدنيا وإن حلت ولا أمان للمال وإن كثر، أو كما قال شيخنا فرح ودتكتوك (الدنيا كان جادت بي خيط العنكبوت تنقاد وإن عاكست تقطع سلاسل الحداد)..