البدهية المعلومة بالضرورة هي أن أيما ضرر يلحق بالمؤسسات القومية والوطنية الكائنة بشرق السودان، وتحديداً الموانئ ببورتسودان وسنكات والطريق الرابط بين الميناء وبقية أرجاء البلاد، سيتداعى له سائر الجسد السوداني بالسهر والحمى، ولهذا يعتبر ما يجري في الشرق اليوم هو بلاشك قضية أمن قومي بامتياز، فاقليم شرق السودان ليس كمثل بقية الأقاليم، من حيث الحساسية البالغة لموقعه الجيوسياسي المتفرد، ومحاددته لخمس دول هي مصر والسعودية واليمن واريتريا واثيوبيا، هذا فضلاً عن الأهمية العالمية للبحر الأحمر الذي ظل ومايزال يشكل مدار الصراعات والتقاطعات الاقليمية والدولية، ولهذا تعد بكل المقاييس عملية اغلاق الشرق التي يتولى كبرها ترك، عملية تستهدف كتم أنفاس السودان من أقصاه الى أقصاه، فاغلاق الشرق يعني ببساطة اغلاق كل السودان من حلايب الى كوستي ومن كسلا الى الجنينة، وتعريض البلاد لأزمات خانقة في كل احتياجاتها بتعطيل حركتي الصادر والوارد، هذا طبعا غير ما تبعث به عملية الاغلاق من رسالة سالبة لكل المستثمرين تصدهم عن الاستثمار في السودان، وكيف لمستثمر أن يغامر بأمواله اذا كان مجرد زعيم قبلي يمكنه التلاعب بمصير كامل البلد والاضرار بمصالحه العليا، كما أنه من جهة أخرى يرسل رسالة مشجعة جدا لذوي الاجندات الدولية والاقليمية الطامعة في الشرق أن هلموا فقد أضحى الشرق الان (جبانة هايصة)..كل هذا طبعا غير ما يسببه الاغلاق من تهديد لكل المكاسب التي تحققت بعد لأي وجهد، برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، واعادة السودان ليحتل موقعه الطبيعي في المنظومة الدولية، وادماجه في النظام المالي العالمي، والوصول لنقطة القرار في مبادرة الهيبك، واعفاء نسبة مقدرة من دينه الخارجي، فكل هذه الانجازات الضخمة ستصبح بلا معنى مع هذا الاغلاق..
فهل بربكم من يفعل كل هذا الخراب والضرر يريد خيراً للسودان ولأهله ولاقليمه الذي سيكون أول وأكبر المتضررين من الاغلاق، وهل ياترى يدرك ترك ومن هم معه ومن هم من ورائه الخطورة البالغة لما اقدموا عليه، ان كان ترك لا يدرك ذلك واقدم عليه غافلاً وجاهلاً فتلك مصيبة، وان كان يدرك مغبة ما فعله والمترتبات الخطيرة الناجمة عنه، ورغم ذلك أقدم عليه عامدا فالمصيبة أجل وأعظم، ثم هل تدبر ترك وجماعته ما يمكن أن تجره فعلتهم من استفزاز لمكونات وزعامات قبلية أخرى في الشرق فينهضوا كذلك لاثبات وجودهم، فماذا تراه يكون حال الشرق اذا تعمق فيه الشرخ، المؤكد أنه سيزداد تهميشا على تهميش وفقرا على فقر، بل ربما تخطفته دول الجوار الطامعة فيه فيتفرق دمه بين الدول، فهل هذا مايريده ترك بالشرق الذي يدعي انه يعبر عن همومه وأوجاعه..لاأحد ينكر ان للشرق قضية عادلة ومشروعة، فقضية الشرق تفاقمت وتراكمت عبر السنين وظلت عابرة لكل الحكومات الوطنية، وبالأخص حكومة الانقاذ المدحورة التي جثمت على صدر البلاد ومنه الشرق ثلاثين عاما حسوما، ورغم كل هذا الظلم لم يحدث أن لوح ترك أو غيره مجرد تلويح باغلاق الشرق، ولكن للعجب يريد ترك الذي صمت كل هذه السنين العجاف من حكومة الفترة الانتقالية التي ورثت هذه التركة الثقيلة التي تنؤ من حملها الجبال الراسيات، ان تحل مشاكل الشرق في عجالة والا فانه سيهدم البلاد بما فيها ومن فيها، ولكن رغم كل هذا الاستهتار والعبث لا نقول احسموا الفوضى بالضربة القاضية، ولكنا نقول الشرق ليس ل(ترك) ولا ل(دقلل) ولا ل(بيتاي) ولا لأي من المكونات القبلية، الشرق للجميع ولكل مواطنيه وقاطنيه على مختلف فسيفسائهم، ولهذا تعالج قضاياه في هذا الاطار بعقد مؤتمر جامع وشامل يكون حظ ترك فيه مثل حظ الآخرين..