لا ينكر أحد أن هناك بالفعل حاجة ماسة لثورة تصحيحية حقيقية لإصلاح الدولة، وأن رئيس الوزراء القومي هو المسؤول الذي يجب أن يقود هذه الثورة، كما لا ينكر أحد أيضاً أن أي عملية تغيير وإصلاح واسعة في تركيبة جهاز تنفيذي أوجدته وأوجدت كياناته ظروف وتعقيدات واقع الاحتراب وعدم الاستقرار السياسي بما أنتجه هذا الواقع من اتفاقيات وتوازنات ومحاصصات سياسية وجهوية، لن تكون عملية سهلة وستواجه بالطبع بمقاومة داخلية عنيفة، خاصة وأن هذه القرارات جاءت متلاحقة وبعد وقت قصير جداً من تولي رئيس الوزراء منصبه بما لا يمكنه من إصدار قرارات علمية ومدروسة بحل وإلغاء مؤسسات كاملة يطرح قرار إلغائها بهذه الطريقة تساؤلات ملحة حول أسباب وجود تلك المؤسسات من الأصل.
كما أن السيد رئيس الوزراء الذي لايزال مستمراً في إصدار قراراته اليومية بحل مؤسسات وإعفاء مسؤولين لم يقم بإحالة أي مسؤول من الذين تم إعفاؤهم إلى التحقيق أو المحاسبة، بل لم يوجه بالتحقيق والمراجعة المالية والإدارية لهذه المؤسسات التي تم حلها، حتى نفهم أين كانت المشكلة ومن الذي فسد أو سرق أو مارس تجاوزات أو ارتكب مخالفات أو اعتداءات على المال العام تستحق المحاسبة القانونية واسترداد الحقوق.
عملية إلغاء وحل المؤسسات بهذه الطريقة وكذلك إعفاء وإقالة المديرين والمسؤولين بهذه الصورة قد يمثل مخرجاً آمنا للفاسدين، بل قد يجعل بعضهم يذبح الذبائح احتفاءً بخروجه بلا مساءلة أو محاسبة، وبالتالي تنقلب الصورة رأساً على عقب، فبدلاً من أن تكون تلك القرارات هي قرارات إصلاح تصبح قرارات طمس لمعالم الفساد في هذه المؤسسات التي يتم حلها وإلغاؤها بهذه الطريقة..!
مكتب رئيس الوزراء أصدر توضيحاً لدواعي حملة أيلا وقال إن إعفاء المديرين العامين لبعض الشركات تم بغرض رفع كفاءة العمل والالتزام بلوائح وقوانين الخدمة المدنية، وأيضاً لتلافي الخسائر المالية وترشيد الإنفاق، مبيناً أن المخصصات التي كان يتقاضاها بعض مديري هذه الشركات كانت تصرف بلوائح خاصة لا تخضع لقانون الخدمة المدنية.
وهذا التوضيح لا يحمل في عباراته إلا عبارة واحدة يمكن استيعابها والإقرار بها دون استفهام، وهي عبارة )ترشيد الإنفاق(..
أما الحديث عن أن الغرض من القرارات هو )الالتزام بلوائح الخدمة المدنية( فيؤكد أن هذه المؤسسات كانت تعمل بشكل مخالف لهذه القوانين، وبالتالي فإن السؤال حول المحاسبة يكون حاضراً وملحاً.
وكذلك ما ورد في توضيح مكتب أيلا بأن )المخصصات التي كان يتقاضاها بعض مديري هذه الشركات كانت تصرف بلوائح خاصة لا تخضع لقانون الخدمة المدنية(، فهل يكون التصرف السليم هو تسريح هؤلاء المديرين المتجاوزين.. أم محاسبتهم.
يجب أن ينتبه السيد رئيس الوزراء أن التسرع في اتخاذ هذه القرارات ونفاذها بشكلها الحالي يجعل هذه القرارات نفسها محل اشتباه تماماً، وليس الاشتباه والشك في احتمال أن تكون بدافع تصفية حسابات شخصية فقط، بل الاشتباه في أن تكون قرارات طمس للفساد نفسه..!!
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.