صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

إستراحة الجمعة : الصيد العوام 

12
د. ناهد قرناص

———-

استراحة الجمعة _ ناهد قرناص

الصيد العوام 

كتبت في مقالة فائتة ان هناك عبارات تفضح عمرك مثل ان تقول (درست الابتدائي) ..ذلك ان أبناء هذا الجيل يقولون (الأساس ) ..او تقول (مشيت ضربت تلفون ) ذلك ان لا أحد (يمشي )للتلفون ..التلفون يمشي لوحده ..وهكذا ..مازحنى أحد أصدقاء الاسفير وكتب معلقاً (اعملي تعويم لي عمرك زي جعفر عباس ..عمل تعويم وثبت عمره في 39) …وعدته بأن اكتب مقالاً بهذا الشأن ..تحت شعار “الفكر النطاسي في تعويم العمر العباسي”.

بادئ ذي بدء ..نقول ان جعفر عباس من الأشخاص القلائل الذين يحق لهم تعويم عمرهم متى شاءوا وكيف شاءوا ..ذلك انه كاتب عابر للقارات والأعمار ..يقرأ له الصغير والكبير بمختلف الجنسيات و(الجنادر) ..نحن فقط في حضوره نلتزم بلافتة (الركشات تلزم الجانب الأيمن من الطريق) ..كلو ولا زعل ابو الجعافر .. أذكر انني ذات مرة من (المراير) غمزت جانبه بكلمة ..فوظف كل امكانياته الكبيرة في الهجوم على شخصي الضعيف ..عشان كدا هذه المرة ناخد ساتر ونقول (انت ما مجبور علينا ..نحن مجبورين عليك).

المشكلة الأساسية التي تواجهني في تعويم العمر هو دراسة الجينات والتي جعلتني اتعرف على ما يسمى ب(التلومير) ..وهو جزء صغير في الكروموسوم داخل الخلية ..هذا التلومير يبدأ منذ صرخة الميلاد الأولى يتناقص حتى الممات ..(حسابة) التلومير التي تحسب ..كانت العائق الأساسي في تقدم عمليات الاستنساخ ..ذلك ان العلماء الذين نجحوا في ارجاع خلية عادية الى ما قبل التصنيف الخلوي، واستطاعوا ان يجعلوها تتوزع الى خلايا متعددة بوظائف مختلفة ..ومن ثم بعد ان تم زرعها في رحم الأم ..صارت جنيناً تطور حتى خرجت النعجة دوللي للوجود ..كل ذلك الانجاز ..أحبطه السيد التلومير الذي كان قد بدأ حساب العمر من الخلية الأم ..فكان ان أصابت الشيخوخة النعجة دوللي ..وماتت قبل أمها ..انه التلومير يا سادة ..لا مجال لرشوته او خداعه.

التلومير ينبه الخلايا التي تريد (التشبب وتعمل فيها صغيرة ).يرسل لها رسائل قائلاً ( دا احنا دافنينو سوا) .. الذين يجتهدون في شد الجلد ..صبغ الشعر ..حقن التجاعيد ..كل هذه الاشياء لا تخدع التلومير ..ستجده يجلس واضعاً رجل على رجل …وهو يمد لسانه ساخراً (على مين؟)..ممثلة مشهورة تداول الناس صورتها وعليها تعليق انها بلغت الثمانين ..ووجهها مشدود ..كشابة صغيرة ..سمعتها قبل أيام ..صوتها يخرج بصعوبة تلازمه حشرجة ..انه الكبر ورب الكعبة ..فقلت لنفسي ..(الواحدة تجتهد في الوش ..يفضحها تلومير الصوت)..

 اللهاث خلف العمر يجعلنا لا نلتفت لجمال التقدم في السن ..لتلك الحكمة التي تتنزل علينا كلما تناقص التلومير ..واستطال ظل الماضي ..كل عمر له مزاياه التي لا نعرفها الا عندما نبلغه ..الآن صرت لا أنفعل كثيراً كما كنت من قبل ..تمر علي لحظات اجلس فيها متأملة الأحداث كأنني أحلق من فوق ..أضحك على أشياء كانت تثير غضبي حتى مرحلة الحنق ..أجد نفسي أمازح الأطفال ..واتسامح مع الذين يخطئون في حقي ..عقدت مصالحة مع التلومير وجلست بجانبه مطمئنة أشاهد قطار العمر وهو يعبر المحطات واحدة تلو الأخرى…

تفاصيل قولي والمجمل ..ليست لدي نية لتعويم عمري ..مرجعي في ذلك مقولة كيجاب السباح السوداني المشهور ..(ما في حاجة عامت في البلد دي غير كيجاب والجنيه السوداني) ..لكني أحكي طرفة وجدتها مناسبة كخاتمة للمقال .. (محمد ) و (أواب )..صغار أقاربي ..التقيتهم سوياً أمام منزل خالتي ..القيت عليهم التحية ..(أزيكم يا أولاد) ..رفع محمد متوكل رأسه وقال (أهلا ياحاجة) ..قلت له بحدة (حاجة ؟ متين حجيت معاك ؟ قال حاجة قال ) ..تدخل أواب وقال (مش أحسن ما يقول ليك شئ تاني ؟ ) ..انا (الليلة وووب ..شئ تاني زي شنو يا ولد ؟ )..هز كتفيه وقال (حبوبة مثلاً).

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد