أطلت الزراعة التعاقدية برأسها من جديد بعد أن وجدت رفض من كل المزارعين في مشروع الجزيرة الذين دخلوا في تجربة زراعة القطن مع عدة شركات تعاقدية انتهت بفشل التجربة من جانب واحد وهو الجانب الأهم الذي يمثله المزارع الذي لم يحصد العائد الذي تم الترويج له لإغرائه بالتعاقد الذي استمر عدة مواسم ليكتشف المزارع أن في مقدوره الحصول على التمويل والقيام بمفرده دون شريك يستأثر بكل العائد الذي كان يذهب إلى الشركات التعاقدية التي أثرت فاحش الثراء من التعاقد في الفترات التي تمكنت فيها، إقناع من يتعاقد من المزارعين الذين أقبلوا على الزراعة التعاقدية التي لا تتطلب منهم سوى الأرض فقط ومسك الموية والمراقبة والإشراف وهذا ما يطلب من المزارع نظير قيام الشركة بكافة العمليات الزراعية من التحضير حتى الحصاد.
الزراعة التعاقدية هي أحد أشكال الشراكة مع المزارع الذي عليه توريد كل الإنتاج للشركة أو الجهة التي تتعاقد معه ولها اشتراطات غير معمول بها في السودان وهي تحديد السعر مسبقاً قبل القبول بشروط العقد الذي يجب أن يشهد عليه تنظيم المزارعين لضمان تنفيذ شروط العقد بين الطرفين، نظراً لعدم استقرار الأسعار وارتفاعها المستمر أصبح من المتعذر تحديد سعر مسبق قبل الزراعة، نظراً لعدم وجود تنظيم نقابي للمزارعين فكان المزارع من يوقع وحده على العقد دون المطالبة بوضع شروط خاصة بالعقد الذي يحتم على المزارع المساهمة بالأرض في الشراكة التعاقدية والإشراف على الري بينما كل العمليات الأخرى يقوم بها المتعاقد، الذي يتحصل على تمويل كل هذا العمل من البنك الزراعي.
من التجارب السابقة للزراعة التعاقدية اكتشف المزارع انه وقع ضحية الشركات التعاقدية التي تقوم بإخفاء التكلفة الحقيقية لكل عملية زراعية بعد أن تتضح للجميع إنتاجية الفدان التي لا يمكن اخفاءها لأنها تتم أمام أعين ورقابة المزارع لتبدأ عملية تعلية التكلفة واسعار المدخلات حتى يصبح هامش الربح ضعيفاً وعائد المزارع لا يستحق كل هذا المجهود ولو انهم قاموا بدنقدة (إيجار) الأرض لكان العائد أكبر لتشهد الزراعة التعاقدية تراجع وعدم إقبال بعد، ما اكتشف المزارعون أن العائد لا يستحق، بدأ كل مزارع يبحث عن تمويل بشتى الأساليب للانعتاق من وهم التعاقد، تعرض البنك الزراعي هو الآخر لانتقادات شديدة اللهجة لأن هذه الشركات التعاقدية، تستأثر بكل التمويل الذي يفترض أن يذهب للمزارعين وليس للشركات التعاقدية التي دورها تضييق الخناق على المزارعين عند الحصول على التمويل وهذه واحدة من مظاهر الفساد التي تحسب على البنك الزراعي.
بعد تخلي المزارعين عن زراعة القطن بالصيغة التعاقدية تضررت شركات التعاقد من( تفتيحة) المزارعين فكان لزاماً عليهم معاودة الكرة لأنهم ذاقوا عسالة عائد الزراعة التعاقدية ذات الأرباح العالية، قبل أيام قامت الشركة الأفريقية الزراعية، إحدى شركات رجل الأعمال وجدي محجوب، عبر قناته التلفزيونية S 24 لفتح بوابة الزراعة التعاقدية لكن هذه المرة ليست للقطن بل لمحصول فول الصويا الذي روج له بأن كلفة الفدان ٦٠ الف جنيه والعائد ١٥٠ الف بربح ٩٠ الف بينما إنتاجية فدان القطن ٢٠ قنطار وسعره ٢٠ الف جنيه وتكلفة الإنتاج ١٠٠ الف والعائد ٤٠٠الف جنيه / الفدان والربحية ٣٠٠ الف جنيه أكثر بثلاثة أضعاف من فول الصويا الذي يمثل محصولاً جديداً بكل المعاني ولا حديث عن قيمة مضافة ترفع من قيمته السوقية ولا حتى يوجد له تسويق محلي والذين زرعوه في السابق كانت مشكلتهم في التسويق الذي لا يصعب على الشركة الأفريقية التي لها أسواق خارجية يصعب على غيرها النفاذ إلى الأسواق وهذه واحدة من أهم أهداف الزراعة التعاقدية التي خرجت من باب القطن لتعود عبر نافذة فول الصويا.