منذ إعلان الإنقلاب أي مايقارب الأربعين يوماً، أغلب مؤسسات الدولة، تحت قبضة وسيطرة فلول النظام المخلوع الذين عادوا بأمر الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الانقلاب الذي أصدر عدداً من القرارات العاجلة، والتي أنهت خدمة عدد من الموظفين في مؤسسات الدولة وقام باعفاء عدد 6 سفراء من مناصبهم، بينهم سفيراً الخرطوم لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على خلفية رفضهم الانقلاب، والذين ناهضوا قراراته، وضرب منهم مثلا رائعاً عندما أعلنوا عدم الاعتراف بقراره وقالوا نشجب بأقوى الكلمات، الإنقلاب العسكري الوحشي ضد ثورتنا المجيدة وأعلن الموقعون عن اصطفافهم الكامل مع المقاومة البطلة.
وكان السفير علي ابن أبي طالب سفير السودان في سويسرا ومندوبه لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف، إنموذجاً لإبن السودان البار الذي جهر بقوله، وأعلن رفضه قرار القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان بإقالته من منصبه برفقة عدد من السفراء ، وأكد ان المواقف الوطنية الشجاعة يمكن ان تتمرد على سلوك الدبلوماسية الناعمة.
لذلك فإن بعض سفراء الدول كان لهم دور عظيم في مناهضة الانقلاب حتى لو جاء ذلك خصماً على عملهم ووظائفهم ، وفي المقابل داخلياً وجد كثير من انصار المخلوع ضالتهم في قرار الانقلاب وعادوا الى المؤسسات وتقلدوا المناصب دون تردد لأنهم كانوا يظنون ان الحظ سيبتسم لهم للمرة ثانية، ولم يكتفِ بقايا النظام المخلوع بعودتهم الى المؤسسات بل ذهبوا لدق الطبول للانقلاب في القنوات الفضائية يتحدثون عن ضرورة الاجراءات الانقلابية، تحت عنوان تصحيح المسار.
وعادت الكآبة والبؤس الى تلفزيون السودان الذي حاول ان يجمل صورة الانقلاب الشائهة، وتصدر الحربائيون المشهد الاعلامي من جديد، وخيمت على المشاهد حالة أشبه بنقص الاوكسجين.
لذلك كان ومنذ اعلان الاتفاق الموقع بين الدكتور حمدوك وقائد الجيش ان تصدر قرارات عاجلة من حمدوك، باعفاء كل الفلول في المؤسسات الحكومية ومؤسسات الخدمة المدنية الذين جاء بهم البرهان اثناء فترة الانقلاب.
وبالأمس القريب أصدر رئيس الوزراء قراراً بتكليف وكلاء وزارات وذلك عملاً باحكام الوثيقة الدستورية منها وكيلاً لوزارة الخارجية ووكيلاً لوزارة العدل، وكيلاً لوزارة الزراعة والغابات ووكيلاً لوزارة التجارة.
وأنهى رئيس الوزراء بموجب هذا القرار من سبق تكليفهم بتسيير مهام وكلاء الوزارات الموضحة ووجه كافة الوزارات والجهات المعنية الأخرى اتخاذ اجراءات تنفيذ القرار.
فهذا القرار ماكان يجب أن يأتي متأخراً بعد عشرة أيام من عودة حمدوك كما كان لابد ان تلحقه عدد من القرارات في مؤسسات الدولة والخدمة المدنية ، فالبرهان في أقل من يومين فقط من انقلابه أعاد العشرات من فلول المخلوع لإدارة المؤسسات ، وحاول جاهداً ان يمحوا آثار الثورة ، بل ولم يتوقف عند هذا الحد واصل جبروته واعتقل عدداً من الموظفين وطالت يده الباطشة حتى المعلم المربي، وأدخله الزنازين، حتى هذه الزاوية لم تسلم من تحذير الانقلابيين عبر مجلس الصحافة والمطبوعات.
فالقرارات الانقلابية عندما كان حمدوك في معتقله الجبري، كان وقعها اشد قسوة من الانقلاب نفسه، لأن البرهان حاول ان يستفز الثوار، بعودة الفلول، لم يقدر وقتها مشاعر أسر الشهداء ولا شعب السودان الذي ضحى من أجل هذا التغيير بدمه .
لذلك يجب أن تكون القرارات بعد عودة حمدوك سريعة وقاضية، لتعيد للثورة روحها وكرامتها التي حاولوا سلبها، وكنا قد ناشدنا السلطة التنفيذية أن القرارات التي لاتحتاج إلا (جرة قلم ) يجب ان لا تستحق وقتاً طويلاً، لأن عودة الفلول في مؤسسات الخدمة المدنية لا يقل خطورة من عودتهم في الاجهزة العدلية والشرطية
كما يجب الاستفادة من كل الأخطاء التي صاحبت الفترة السابقة، والتي تهاونت فيها الحكومة ،وتلكأت في كثير من القرارت، وشاب أداؤها القصور، الامر الذي نتج عنه تمدد العسكر، واتسعت دائرة أطماعهم، عندما تجاوزوا مواقعهم وسلطاتهم وتعدوا على المدنية والديمقراطية في عقر دارها ومزقوا الوثيقة الدستورية في خيانة واضحة للعهود والمواثيق.
هذا التعدي يحب ان يجعل الثقة فيهم معدومة عند السلطة التنفيذية، وان تتعامل معهم بمبدأ ان الذي يخونك مرة، لن تصعب عليه في مرات قادمة ، لذلك لابد من نسف كل القرارات الانقلابية من قبل قائد الجيش ، حتى لا تكون سبباً في نسف أشياء أكبر، عندها لن يفيد الندم، لذلك ان القرار القوي، قادر على ان يغير كثير من الملامح.
طيف أخير
يصعُب معرفة ما تخفي الأنفس، لكن معادن الناس تكشفها المواقف.