هي واحدة من الأزمات الكثيرة التي يعاني منها مجتمعنا، وتلقي بظلالها على شكل العلاقات بين الأفراد والجماعات. فهي بالضرورة الطريق القصير لتفشي الكراهية ونشوب العداوات والخلافات.
نحن لم نعد نقبل بالآخر…! على مستوى الطوائف والأجيال والمهن وحتى الأزواج. نعمد دائماً للتقليل من شأنه والتنكيل به وتفنيد آرائه والاستخفاف بأفكاره وتشويه معتقداته والاعتراض على سلوكه وانتقاد تصرفاته.
الأجيال السابقة تدين كل ما تأتي به الأجيال الحالية.. وتتداول العبارات المشروخة بالبكاء على أطلال ماضيها )الله على فن زمان وكورة زمان وتعليم زمان وحب زمان(!
وهي بذلك تحاول أن تسلب شباب اليوم حقهم في الحياة وفق مفاهيمهم ومعطيات عصرهم. وليت القدامى يقتنعون بأن الجدد قد ولدوا لزمان غير زمانهم. وأن هناك اعتبارات للعمر والمزاج والأهواء والبيئة المحيطة يجب أن تراعى ولا يمكن بأي حال التغاضي عن التغييرات الجوهرية الجذرية التي تطال العالم من حولنا كل يوم والمطالبة بأن تتوقف عجلتها عن الدوران على حدودنا ليتحول هؤلاء إلى نسخ مكررة وصغيرة من أولئك فحسب.
لو قدر لنا أن نؤمن جميعاً بالحق الأصيل للآخر في ممارسة إنسانيته الكاملة بحرية مطلقة داخل حدود منظومتنا الاجتماعية ودون أن تتجاوز حرية الآخرين لكفينا أنفسنا مغبة العديد من الإحن.
ومن الوجوه البارزة لأزمة التعايش، ما يحدث داخل البيوت العربية.. حيث العداء الصامت والندية بين الأزواج.. وحيث يجتهد كل منهم لإثبات كونه الأفضل والأجدى والأشد حرصاً على مصلحة هذا الكيان .
فتجد الزوج دائم التذمر من نقة زوجته وتسوقها الدائم وتقاعسها عن خدمته.. وبالمقابل تشكو المرأة من برود الرجل وسلبيته وتقصيره في حقها وبيته وأبنائه.
وليت الأول يعلم أننا كنساء فطرنا على الثرثرة والعاطفة والرغبة الدائمة في الشراء والتعطش الدائم للحنان. وليت النساء يعلمن أن الرجال بطبعهم عمليون حتى في عواطفهم يخضعون الأشياء في الغالب لحسابات المنطق ويتحركون وفق ذلك. وأن هذا لا يعني بالضرورة إصرارنا كنساء على الإهمال والكسل والاستنزاف ولا يعني خلوهم كرجال من العواطف الجميلة وجهلهم بفنون التعبير.
هي بالأخير أزمة تعايش.. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن أنجح في تغيير أفكار ومعتقدات وعادات إنسان ناضج ومتوازن أمضى على أقل تقدير ربع قرن من الزمان في ما نشأ عليه من طبيعة.
ليس أمامنا سوى أن نتعايش معه!. أن نقبله كما هو وإن كان على علاته.. أن نتذكر دائماً أنه ما من شخص كامل.. وما يعجبنا في أحدهم قد يخبئ وراءه أشياء قبيحة من ناحية أخرى.
هي إذًا دعوة للتعايش.. لقبول الآخر ومنحه مساحة من حرية التحرك والتصرف والميول.. ومنحه الفرصة ليعيش تجاربه بنفسه ويتعلم منها.. أن يخطئ ويصيب.. أن يحب ويكره.. أن يخرج طاقاته الكامنة ونحترم حقه في الإعراض عما نحبه ونمارسه.
امنح زوجتك فرصة ممارسة هواياتها النسائية وساهم في رفع روحها المعنوية بالعبارات اللطيفة التي لن تكلفك الكثير ولكنها ستجنبك الكثير.
وامنحي زوجك فرصة التواصل مع الآخرين وحرية ممارسة هواياته وطقوسه الغريبة في تفاصيله اليومية دون أن تتذمري، حرصاً على صحتك فهو يا عزيزتي لن يتغير.. وربما يكتفي بتغييرك.!
تلويح:
نحن نتزوج لنمارس حريتنا الكاملة في إطارها الشرعي.. فلا تصفو الزواج بأنه قفص وإن كان ذهبياً