كلما ذهبت إلى مكان عام تحاصرني الأسئلة المتوترة من عامة الشعب السوداني.. هل أنت مع التطبيع أم ضده؟ هل توافق على لقاء (البرهان – نتنياهو)؟ وتستمر الـ(هل) في سياق لا يحتمل سوى إجابة بــ(لا) أو (نعم).. وذكرني هذا الموقف بقصة رواها جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الأمريكي (FBI ) في مذكراته..
قال كومي كلما ركب في مصعد (الأسانسير) مع آخرين يسأله البعض (هل لعبت كرة السلة؟)’ لأنه طويل القامة بشكل استثنائي، وعندما يحاول أن يشرح لمن يسأله أنه فعلاً كان لاعب سلة خلال فترة الدراسة الجامعية، فيجد نفسه فجأة يقطع الحديث لوصول المصعد للطابق الذي يريده، في النهاية قرر كومي أن يجيب بـ(لا) ليس من باب الكذب لكن لمراعاة ظروف (الأسانسير)..
كلما حاولت أن أشرح فكرة أن الأمر يتعلق بمجمل (السياسة الخارجية) للبلاد أجد سؤالاً مقاطعاً (يعني موافق أم غير موافق على التطبيع).. فالمطلوب إجابة بـ(لا) أو (نعم)..
هذا الوضع يكشف تماماً أن مجمل البيانات التي صدرت من أطراف الحكم الانتقالي المختلفة فشلت في تقديم إجابة شافية كافية لرجل الشارع العادي.. الذي يبحث عن لا أو نعم.. من فرط احساسه باختلاط الألوان وعتامة الضباب.. فقد صدر بيان من الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة قال إنه استخدم صلاحياته في حماية الأمن القومي السوداني، رد عليه بيان من الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء بلغة دبلوماسية أطلق صافرة تسلل ضد رئيس السيادي، لأنها صلاحيات تنفيذية تتعلق بالمجلس الوزاري.. ثم بيان من قوى الحرية والتغيير وبعده تجمع المهنيين ثم الأحزاب الشيوعي وطوائف البعث.. ومكونات سياسية معارضة.. طوفان من البيانات جعلت المواطن يسأل بحيرة.. لا أم نعم؟
وبكل صراحة.. محاولة الإجابة بـ لا أو نعم ستجعل المشهد السياسي السوداني مجرد مدرجات استاد الخرطوم في مباراة الديربي بين الهلال والمريخ.. لا مكان سوى الجلوس في أحد الجانبين.. ويتحول الأمر إلى هتاف وتشجيع وربما رشق بقوارير المياه والحجارة ويتحول إلى مجرد فيلم عنف وإثارة..
يا سادتي؛ حكاية البرهان نتنياهو تحتاج إلى مراجعة شاملة كاملة للسياسة الخارجية السودانية، تبدأ من توصيف وتسمية المؤسسات المسؤولة عن تصميم السياسة الخارجية، والأسس والمفاهيم التي تبنى عليها السياسة الخارجية، ثم الأهم أين مصالح السودان (الإستراتيجية)؟ وكيف تتحقق؟