كان قريبي الساخر يطالع بصوت مسموع خبر الاجتماع المغلق الذي ضم البرهان وآبي أحمد، على هامش القمة الطارئة للايقاد التي انعقدت بالعاصمة الكينية نيروبي الثلاثاء الماضي، وعندما بلغ في المطالعة الجزء الذي يقول أن رئيس الوزراء الاثيوبي آبي احمد، قال (إن مناقشاته مع الجنرال عبد الفتاح البرهان أفضت إلى اتفاق بين البلدين. وأضاف اتفقنا على أن بلدينا لديهما الكثير من العناصر التعاونية للعمل عليها بشكل سلمي، سنداتنا المشتركة تتجاوز أي انقسامات، كلانا التزم بالحوار والحل السلمي للقضايا العالقة) (فيما لم ينقل عن البرهان أي قول)..عندها صاح قريبي بسودانية قحة (حوار في شنو يا العشاء باللبن)، ولا أدري من كان يقصد قريبي (العشاء باللبن) ،آبي أم البرهان، و(العشاء باللبن)، عبارة سودانية تطلق على الغشيم الداقس والعوير الذي يقال عنه في عبارة أخرى (الغنماية تاكل عشاه)، ويقيني ان العبارة ستنطبق على البرهان لو صح أنه وافق على اجراء حوار وتفاوض حول الفشقة، ذلك ان موضوع الفشقة محسوم وغير قابل للنقاش، وكان المفترض ان يعقب البرهان على ما قاله آبي احمد، بأن يرد عليه بالقول اننا منفتحون لأي تفاوض وحوار حول أي قضية فيما عدا الفشقة، وان كان لابد من حوار حولها فيجب ان لايكون غير الاتفاق على موعد وضع العلامات الحدوية المعروفة والمحسومة سلفا، فكل الشعب السوداني وبكل فسيفسائه عازم ومصمم على ان لا يفرط في شبر من هذه الأرض السودانية، وتجلى ذلك بوضوح في اصطفاف الشعب خلف الجيش في حادثة تصفية الجنود السودانيين السبعة والمواطن المدني، الذين اغتيلوا بخسة ودناءة بعد 4 أيام من أسرهم، داخل منطقة سودانية في الحدود الشرقية؛ لتبدأ بعدها اشتباكات عسكرية استطاع فيها الجيش السوداني استرداد مناطق قلع اللبان ومستوطنة برخت وجبل تسفاي عدوي..
الحق حق والحق قديم لا يسقط بالتقادم، وحق السودان في أراضيه في الفشقتين الصغرى والكبرى، ثابت ومؤكد بالوثائق ولا جدال ولا مراء فيه الا طمعا ومكابرة، وليس لاثيوبيا فيها ربع متر وليس لها أي سند سوى المزاعم والادعاءات، ولو كانت اثيوبيا جادة كما زعم رئيس وزرائها في تصفية اية خلافات بين البلدين بصفاء النية، فليعد للسودان أولا بقية حقه المسلوب الذي لا نزاع حوله من أراضي الفشقة، وهي جيوب تقل عن(10%) من المساحة الكلية، وتكون بذلك اثيوبيا قدمت بادرة خير لتصفية وحلحلة اية خلافات أخرى، أما الفشقة فلا حوار ولا تفاوض ولا شراكة حولها..