تواترت خلال الأيام الماضية تقارير مقلقة ومزعجة، تتحدث عن تضافر عوامل عدة لتفاقم من أزمات ومشاكل السودان الغذائية وحاجته للعون الانساني وتشكل تهديدا لصحة ورفاه الملايين من السكان، وقدَّر فولكر بيرتس رئيس بعثة اليونتامس في تغريدة له في الخصوص، عدد من يتأثرون بهذه الأوضاع ب40% من السكان، وكانت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) حذرت من أن ثلث سكان السودان يواجهون حاليا أزمة غذاء بسبب التأثير المركب للصدمات المناخية والاضطراب السياسي وارتفاع أسعار الغذاء عالميا، وأفاد تقرير مشترك صادر من برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة، بأن مستويات التمويل لا تكفي للاحتياجات الانسانية في السودان، وتوقع التقرير أن ينزلق نحو 40% من السكان الى حالة انعدام الأمن الغذائي بحلول سبتمبر المقبل.
..هذه الحالة التي وصفها المبعوث الأممي فولكر وأكدتها من قبله الفاو وبرنامج الأغذية العالمي، هي الحالة ذاتها التي يصف الابداع الشعبي من يعانونها بأنهم (راقدين خيط) وفي رواية (راقدين سلطة) بفتح السين، في وصف من تبدو عليه ملامح الضعف والإرهاق والتعب..وعطفا على تقييم برنامج الاغذية العالمي مقرؤوا مع تحذيرات فولكر، تبقى الحقيقة الملاحظة و المعاشة هي وجود مشكلة غير خافية في الغذاء والتغذية لدى عامة المواطنين، ومن أظهر مظاهر ذلك نسبة التردد العالية بالمستشفيات والتي يمكن نسبتها بالاساس لضعف الغذاء، ويعزز هذه الملاحظة ما قاله د.محمد ناير الخبير الاقتصادي حول إن البلاد تعاني من أزمات اقتصادية كثيرة من بينها ارتفاع معدل البطالة، وبلوغ نسبة الفقر ما بين 60-80% بين السودانيين، وارتفاع معدل التضخم بصورة كبيرة. مضيفا في حديثه لبرنامج المسائية على شاشة الجزيرة مباشر أن 70 % من الشعب السوداني لن يقدروا على شراء السلع قريبا، وتأكيدا لما قاله الناير فقد تلاحظ انتشار ظاهرة لجؤ بعض الأسر لبيع بعض مقتنياتها المنزلية، للحصول على نقود تمكنهم من شراء احتياجاتهم من الغذاء، فمنهم من باع بحسب (العربية نت) شاشة تلفزيون جديدة، ومنهم من باعت خلاط، وآخرين باعوا أشياء أخرى ثمينة..
لقد صدقت كل هذه التقارير المنذرة والمحذرة من الكارثة القادمة، فمن يرى الحالة العامة للناس في الشارع العام أو في مواقف المواصلات أو داخل البصات والحافلات، أو هم يتحلقون داخل وحول مستشفيات الميري أو في أي ملتقى أو تجمع شعبي، يلحظ بوضوح الرهق والتعب والضعف البائن على محياهم وخطواتهم المتكاسلة، بل إنك قد لا تحتاج أكثر من أن تنظر لنفسك وتقيّم حالتك الصحية لتكتشف أن مناعتك قد ضعفت وصرت أكثر قابلية لاستقبال الأمراض، إذا عطس جارك أصبت بالإنفلونزا لا محالة وعلى ذلك قس (والله يستر من الكورونا)، وكيف لا تضعف المناعة ولا تصاب نسبة كبيرة بالأمراض، وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية وبلغت سقفا لم يستطع بلوغه السواد الأعظم، بل إن عددا كبيرا جدا ممن بلغوه قد بلغوه بشق الأنفس وعلى حساب عدد من الضروريات الأخرى، وهذا وحده من أكبر أسباب إضعاف المناعة التي يحتاج بناؤها إلى التغذية الكاملة المتوازنة وبكمية معلومة صحيا، وإلى عدد معلوم كذلك من السعرات الحرارية التي تمد الجسم بالطاقة والحيوية، هذا غير حاجتها إلى الراحة والهدوء والنوم الهانئ لساعات كافية.. إذًا كان من الطبيعي مع البوش والحشو أن تضعف المناعة، وكان من الطبيعي أيضاً مع الهموم و(المساسقة) واللهث والضغوط أن تعتل النفوس..