)1(
منعت المملكة العربية السعودية استخدام المياه الجوفية في الزراعة لكي تُحافظ على هذا المورد الناضب، وتنفيذاً لهذا القرار كان عدم التّوسُّع في زراعة القمح الذي اُعتبر ذات يوم محصولاً استرتيجياً، فالماء أهم.. وفي الأيام الفائتة قرّرت المملكة منع زراعة الأعلاف نهائياً للحفاظ على الماء، ومن المُؤكّد أنّ في مثل هذه السياسات الكثير من الرشد والمُراعاة لمصلحة الأجيال القادمة حتى لا تبحث عن مياه الشرب، وتأسيساً على هذه السياسة قرّرت الشركة الوطنية للتنمية الزراعية )نادك( نقل كل مشاريعها في زراعة الأعلاف للسودان، ومن جانبنا نقول مرحباً ولكن لنا كلمة!
)2(
شركة )ناشونال اقريكلشرال ديفلوبمنت كمبوني( اختصاراً )نادك(، قطاعٌ خاصٌ سعوديٌّ في مُعظم أسهمها وللدولة السعودية 20 في المائة فقط من أسهمها، دخلت السودان قبل عدة سنوات بمُوجب قانون الاستثمار، حيث مُنحت ستين ألف فدان في شمال كردفان، ثُمّ خمسين ألفاً بالولاية الشمالية بإيجار رمزي لمدة 99 سنة، وقد بَدأت نَشاطها في شَمال كُردفان، حَيث زرعت وبالمياه الجوفية أعلاف رودس وبرسيماً كمحاصيل رئيسة، كما زرعت أنواعاً جديدة من التمور بدأت بشائرها في الظهور، ثُمّ جربت زراعة القمح في مائتي فدان وكانت النتائج مُشجِّعة وسوف تَتَوَسّع فيه هذا العَام، هذا بالإضافة لتجارب في مَحاصيل أُخرى وتَربية حَيوان مُستخدمةً تقنيات مُتقدِّمة جداً من ضمنها الري المحوري، ورغم أنّها مَازلت في الطور التّجريبي بشمال كردفان والتمهيدي في الشّمالية، إلا أنّ أياديها البيضاء في شمال كردفان قَد ظَهرت، فَقَد تَبرّعت بسخاءٍ لشارع “أمدرمان – الأبيض” وحَفَرَت آباراً في المنطقة.. وفي مُقابلة تلفزيونية مع مديرها قال لي إنّهم يهدفون للاشتراك في النهضة التنموية للسُّودان وتطوير المنطقة أكثر من استهدافهم للربح..!
)3(
الآن وبعد السِّياسات الجديدة في السعودية، قرّرت الشركة التّوسُّع في زراعة الأعلاف بالسُّودان وهنا يأتي تَحفُّظنا، فتصدير الأعلاف في السُّودان أمرٌ يُواجه بالكثير من الرفض، لا لأنه يفتقر للقيمة المُضافة من عدم تحويل المادة الخامة بالصناعة التحويلية فحسب، بل يُعتبر تصديراً للتراب والماء والأملاح أي للعناصر الأولية للإنتاج، ثُمّ ثانياً مِن حَق السُّودان أن يضن بمياهه الجوفية لأنّها مُعرّضةٌ للنضوب، والأهم من كُل ذلك في إمكان ذات الشركة أن تصدر المُكوِّن النهائي من ذات السُّودان، حيث أنه يُمكن أن تربي أبقاراً )يُغني عليها سَرور( وكل الحيوانات في مزارعها، ويُمكنها أن تنشئ مَسالخ بمُواصفاتٍ عالميّةٍ، ويُمكنها أن تنشئ معامل ألبان طازجة ومُجفّفة، وهناك أكثر من ثلاثين صناعة جانبية يُمكن أن تقوم على مُخلّفات الذبيح وبالتالي تطير الطائرات من الأبيض وأم روابة وهي تحمل اللحوم الطازجة واللبن الطازج إلى جدة.. فالأبيض أقرب إلى جدة من تبوك وحفر الباطن..!
باختصار يُمكن للشركة أن تغمر السُّوقين السُّوداني والسُّعودي بمُنتجاتها، ثُمّ السُّوق الإقليمي والعالمي، ومن المُؤكّد أنّ تكلفة رطل اللبن وكيلو اللحمة عندما تكون المُدخلات )من الألف إلى الياء( في مكانٍ واحدٍ أقل من ذلك الذي يحضر حيوانه من جهة وعلفه من جهةٍ أخرى، ثُمّ والأهم أنّ تربية الحيوان في ذات مساحة زراعة الأعلاف سَوف يحفظ للأرض خُصُوبتها بالتسميد الطبيعي، فهذه دورة الحياة الربانية فلماذا مُعاكستها؟!
)4(
إنّ قانون الاستثمار في السُّودان مُحتاجٌ لمُراجعة وهذه قصة أُخرى، ولكنّنا في حالة نادك ولأنّها شركة جادة وقادمة من دولة شقيقة يتوق السُّودان لتطوير علاقته بها، كان سيكون جميلاً لو كان السُّودان شريكاً في رأسمالها مثل المملكة تماماً، فالإيجار الطويل عليه تَحَفُّظٌ شديدٌ، فماذا لو دخل السُّودان شريكاً بقيمة الأرض والإعفاءات الجمركية؟!
عليه في تقديرنا، إنّه من مَصلحة البلدين ومَصلحة الشركة أن يُعاد النظر في عَقد عَملها حتى تنطلق بقوة وهذا لا يتأتّى إلا بطلبٍ من الشركة، لأنّ السُّودان كدولة لا يُمكن أن ينكص عن تَعهُّداته، بيد أنّ القوانين وحدها ليست كافية للنجاحات الكبيرة، وفي تقديري أنّ نادك شركةٌ يعول عليها.. أمّا استثمارات الراجحي الوقفية في السُّودان فتستحق تعظيم سلام وهذه قصة ثالثة.