الفشل الذي ظل يلازم السلطة الإنقلابية لم يتوقف على إخفاقها في ادارة شئون الدولة ، في كل الجوانب الإقتصادية والسياسية والأمنية ، ولكنه تجاوز حدود الممكن في أنها سلطة فاشلة في طريقة تعاملها مع الأمور السياسية ذات المدى القريب والبعيد ، فالسلطات الانقلابية تتبع سياسية كسيحة في التعاطي مع الأمور الآنية حيث كشفت انها سلطة متهورة يمكنها ان تتخذ قراراً او ترتكب فعلاً احمقا لا يمكن أن تقوم به حكومة راشدة ، لها نظرة فاحصة في قراءة الاحداث السياسية بحكمة وتعقل .
فالبلاد الآن تعيش في ظروف استثنائية حرجة وبالغة التعقيد ، ومجهولة النتائج ، تدفع السلطة الانقلابية للبحث عن مخرج ، علها تستطيع ان تصل به الي بر الأمان ، فأعدت العدة ولعبت دورا كبيرا لتجعل عمل الآلية الثلاثية للحل واقعاً مطروحاً ، يمكن ان يكون سلما ترتقي به الى مراميها ومقاصدها ، لكنها وفي ذات الوقت فشلت في ان تبرهن للاطراف انها قادرة على خلق بيئة صالحة تمكنها من ذلك ، وكنا نأمل ان تعمل السلطات الانقلابية على تهيئة المناخ السياسي ولكن ماوصلنا اليه ان السلطات لا تريد البقاء على هذا المناخ غير المناسب فحسب بل أنها تعمل جاهدة لتجعله أكثر سوءا مما هو عليه.
فلا يعقل أن تكون نية المكون العسكري هي الوصول الى حل للازمة عبر توافق وطني ، في الوقت الذي تمارس فيه السلطة الإنقلابية حملة الاعتقالات للقوى السياسية والثورية ، هذا لا يحدث إلا في ظل حكومة رعناء بكماء تعاني من تخلف سياسي واضح ، فلا يمكن ان تدخل الآلية الثلاثية في اجتماعات إستباقية للاجتماعات التحضيرية وسماء الخرطوم يغطيها البمبان الكثيف وسيارات الشرطة التي تطارد الثوار تتشارك الطريق مع سيارات البعثة الأممية ، كما انه ليس من المنطق ان تتلقي الأحزاب دعوة للمشاركة في عملية الحل السياسي والسلطات تعتقل قياداتها ، كل هذه التصرفات التي تهدد حرية الرأي والتعبير ، تقف بلا شك عائقا كبيراً وعقبة امام سكة قطار الاصلاح السياسي الذي لن يحقق نتائجاً مرضية للآلية او للعسكريين في ظل هذه الظروف المتناقضة .
وتبحث الآلية عن صيغة مناسبة لإقناع الشارع ، بالمشاركة بعد ان إلتقت بمجموعة من المستقلين من تنسيقيات لجان المقاومة بولاية الخرطوم، التنسيقيات التي تمسكت بميثاق سلطة الشعب ، ففي الوقت الذي تبحث فيه الآلية الآن عن صيغة لكسب الشارع الثوري ، اعتقلت قوات السلطات الانقلابية ثلاثة ثوار وثائرتين أثناء الحراك الثوري بمنطقة بري في آخر موكب واقتادتهم لجهة غير معلومة. على الرغم من أن التظاهر حق مشروع.
فما تقوم به السلطات الآن وما تمارسه من اعتقالات للقيادات السياسية والثورية ومواصلة استخدام اسلوب العنف يكشف ثلاثة جوانب وهي اما أن السلطة الإنقلابية غير جادة في حديثها عن حل الأزمة وانها ( مستهبلة ) تمارس خداعاً سياسياً واضحاً بحديثها عن التوافق السياسي ، وتريد أن تستهلك الوقت لصالحها حتى تتمكن من إعلان انتخابات مبكرة بحجة ان بعض الاحزاب السياسية ترفض الجلوس للحوار ، او ان السلطات تريد ان تضغط على الشارع بعصاة العنف والسجن والإعتقالات لتستعجل القوى المدنية لتعلن موافقتها على الحوار مع العسكريين دون شروط ، او ان ثمة قوة سياسية وامنية تسيطر على الدولة والقرار بعيدا عن المجلس الانقلابي ولا تريد حلولاً سياسية وتمارس هذه الأساليب لتقطع الطريق أمام عمل الآلية الثلاثية وتجعل السلطات الإنقلابية تقبع في ورطتها أكثر ، واسوأ هذه التوقعات هو الأخير ليس لأن خطورته في قطع الطريق أمام الحل السياسي، لكن كارثيته ان تكون هناك حكومة وسلطة أخرى تعمل في الخفاء، في الوقت الذي ينشغل فيه الجميع بالتصارع او التصالح مع حكومة الواجهة .
طيف أخير :
بعض الأشياء لا تفسّر تُفهم هكذا أو لا تفهم إلى الأبد.