ردود أفعال ومداخلات وافادات واضافات كثيرة، وردتني في أعقاب نشري للعمود الذي جاء تحت عنوان (حكومة مافي)، والذي عرضت فيه لمظاهر التفلتات الأمنية الواسعة التي تشهدها العاصمة ومدن ومناطق أخرى من البلاد، من بين أبرزها وأكثرها دموية وخراب ما تشهده دارفور وخصوصا غربها في هذه الأيام، ولما كنت قد أوردت في العمود مسميات أطلقها المتفلتون على بعض المناطق بالعاصمة التي تمثل محطات رئيسة لممارسة جرائمهم، مثل (حكومة مافي) و(آخر مكالمة) الخ الخ، أضاف لي البعض مسميات جديدة لهذه المناطق التي يقنص فيها المجرمون للايقاع بضحاياهم وسلبهم كل ما يملكون اذا استسلموا ولم يقاوموا، أما اذا حاول الضحية مقاومتهم سيخرج من المعركة غير المتكافئة بأذى جسيم في أحسن الأحوال ان لم يردوه قتيلا، من هذه المناطق التي أضافها آخرون، منطقة يطلق عليها المجرمون للغرابة مسمى (بوليس ميت)، ودلالة هذا الاسم العجيب تكفي وحدها لتكشف الى أي مدى وصلت سخرية واستهزاء هؤلاء المجرمون بالبوليس، وأنهم لا يقيمون له وزنا ولا يخشونه، وهل يخشى أحد من ميت، أو ربما أنهم في أمان ومأمن من البوليس المعني بتأمين تلك المنطقة لمصلحة مشتركة واتفاق مسبق مع بعض أفراد البوليس،
وهناك أيضا منطقة أخرى يطلقون عليها (لفة أورتن)، وأورتن هذا المسمى عليه منطقة النهب والسلب هذه، هو مصارع و ممثل أمريكي محترف بمنظمة المصارعة العالمية (دبليو دبليو إي)، بل أن الصفاقة وسؤ الخلق والأدب حتى مع الله عز وجل، وصل ببعض هؤلاء المجرمين أن يجترئوا على الحق جل وعلا، فيسمون احدى مناطق نهبهم (الله مافي)، تعالى الله علوا كبيرا عما يأفكون، وغير هذه المناطق التي ذكرنا، المؤكد أن هناك كثير غيرها مما لم يدخل في علمنا الشخصي..والأعجب والأغرب من كل الذي ذكرناه عن بعض وليس كل المناطق الخطرة، أن البوليس يعلمها تماما، ولكنه ولا أدري لماذا لا يحرك تجاهها ساكنا ليحسمها الى الأبد، ويزيد العجب أن ذات هذا (البوليس الميت) كما يطلق عليه هؤلاء المجرمون، والقوى النظامية الأخرى المشاركة في قمع تظاهرات الثوار السلميين، يظهرون همة عالية وحماسا منقطع النظير في قمع التظاهرات بعنف مفرط ومميت، حتى فاق عدد قتلاهم من الشهداء حتى يومنا هذا الثمانين نفسا ومئات المصابين..
ان هذه الجرائم والتفلتات الأمنية الكبيرة والمقلقة، تكشف وحدها تماما عورة الانقلاب، وتجعل الانقلابيين بلا حتى ورقة توت يتغطون بها، وليس من دليل على ذلك أكثر من فشلهم وعجزهم الكبير في أحد أكبر ادعاءاتهم بوصفهم عسكريين معنيين دون غيرهم ببسط الأمن ونشر الطمأنينة، وذلك ببساطة لأنهم تركوا دورهم الأساس في توفير الأمن وحراسة الدستور، فتكالبوا على السلطة وانشغلوا بها لتمكين أنفسهم ومواليهم وتابعيهم منها، وقد أدى تكالب العسكريين على السلطة وترك ثغرتهم مكشوفة، أن تؤتى البلاد من قبلها، مثلما حدث في غزوة أحد حين ترك الرماة ثغرتهم ونزلوا من أعلى الجبل للحصول على الغنائم،
وهكذا ظلت ظاهرة التفلتات الأمنية والجريمة المسلحة والمنظمة في ازدياد في ظل سيطرة العسكريين بدلا من حدوث العكس، بل يمكن القول ان سحر التفلتات الأمنية ارتد على الساحر، اذ أن العسكر قد عمدوا وتعمدوا ابان فترة الحكومتين المدنيتين السابقتين، على التقاعس عن اداء واجباتهم الامنية، فيما بدا أنه محاولة لإحراج الحكومة المدنية وزيادة السخط الشعبي ضدها، فاذا بهذه التفلتات التي رعوها ترتد عليهم وبأفظع مما كانت..