انفاذا لقرار لجنة الطوارئ الاقتصادية التي يرأسها حميدتي الخاص بتحرير سعر الصرف، شرعت أمس البنوك الدخول الى حلبة المصارعة ضد دولار السوق السوداء باعلانها اسعارها الجديدة المحررة والمعومة، وكشفت القائمة التي أعلنها أحد البنوك، عن ارتفاع اسعار صرف العملات لديه مقابل الجنيه، حيث بلغ سعر بيع اليورو (٥٧٥.٧) وسعر الشراء (٥٧١.٤) وبلغ سعر بيع الدولار الامريكي (٥٣٠) والشراء مقابل (٥٢٦) اما الريال السعودى فسجل (١٤١) للبيع و(١٤٠) للشراء.. وهكذا كما ترون قد تم تعويم جنيهنا الكحيان الهلكان، ولكن السؤال هل تم تغذية الجنيه جيدا وامداده بالطاقة التي تمنحه القوة الكافية التي تجعله يعوم بشكل جيد ويصارع التيارات والأمواج ويصرعها حتى العبور الى بر الأمان، ونعني هنا بالتغذية والطاقة اللازمة للجنيه قبل تعويمه، ان يكون قد تم دعم واسناد سباحته باحتياطيات كافية من النقد الاجنبي والذهب بالبنك المركزي، أم انه (يا حليلو) على قول الشاعر قد القوا به في اليم مكتوفا وقالوا له اياك اياك ان تبتل بالماء، ولو كان ذلك كذلك فمصير جنيهنا ليس البلل بل الغرق دون العثور على جثته،
وطالما ان لجنة حميدتي لم تخبرنا عن هذه الاحتياطيات وحجمها، لهذا يغلب على الظن ان بنك السودان خلوا منها (أباطو والنجم)، أو في أحسن الأحوال اذا احسنا الظن ليس في خزائن البنك ما يعين الجنيه على سباحة آمنة، وهل تحوز البنوك الاخرى من العملات الاجنبية وتحديدا الدولار ما يمكنها من تلبية طلبات المستوردين وفي أي وقت شاؤوا، الاجابة المؤكدة هي ان لا، وبذلك يبقى السوق الاسود للعملات قائما بل ظافرا ومنتصرا يستقبل طالبي العملات باريحية وبالاسعار التي يحددها، والمتوقع مع هذا الحال ان يخرج علينا جبريل وجنقول مطأطئ الرأس معتذرين حين لا ينفع الاعتذار (لقد هزمنا السوق الاسود)، وربما لهذا السبب سيغادر البرهان الى الأمارات ومنها يطير الى السعودية لطلب المدد والعون بمنحة أو بوديعة دولارية معتبرة، والله اعلم ما اذا كانوا سيعطونه وكم أم يمنعونه عقال بعير..المهم ان الاقتصاد بل البلاد كلها الآن تقف بأمشاطها على شفير الهاوية ويكابد المواطنون سعير الاسعار بلا دعم اجتماعي بعد ان تسبب الانقلاب في وقف برنامج (ثمرات)..
قال لي مواطن بسيط ولكنه حصيف انا لا اعرف في نظريات الاقتصاد واكاديمياته، ولكن بالبصيرة والمنطق البسيط لايمكن لاقتصاد ان يتحسن ويتطور باتخاذ قرارات ادارية وتدابير امنية مثل التي اصدرتها لجنة حميدتي، فلو كان الأمر كذلك لما عانت دولة في العالم من مشاكل اقتصادية وازمات مالية، فالاقتصاد كما عايشناه ونعمنا به على ايام مشروع الجزيرة الزواهر والكلام ما يزال لمحدثي، ينتعش ويزدهر ويتطور بالانتاج والانتاجية، وهذا للأسف ما لم تشر اليه لجنة حميدتي لا من قريب ولا من بعيد، وقد صدق هذا المواطن الذي عتقته السنون وعلمته الخبرة وصقلته التجارب، فمثل قرارات لجنة الطوارئ الاقتصادية لن تجدي فتيلا لوحدها، فهناك الأزمة السياسية الخانقة وعدم الاستقرار السياسي والانفلات الأمني، وهذه كلها لم تشر اليها لجنة حميدتي ولو تلميحا، رغم ان الطريق الى اصلاح الاقتصاد يمر عبرها وهي سابقة له..