)1(
من مواضيع الساعة الاقتصادية )حكاية التِّرلات( وهي جمع ترلة بكسر التاء وإن شئت قُل المَقطورة، فالشاحنات في بلادنا كَانت تَعمل بترلتين أي مقطورتين، بعبارة ثالثة تعمل بسعة مُضاعفة وهذا بالتّأكيد يجعل نقل البضائع أقل سِعراً، فأن تنقل بالرأس الواحد وسوّاقٍ واحدٍ وبرميل جاز واحد سبعين أو ثمانين طناً أقل تكلفةً من أن تنقل ذات السبعين برأسين وسوّاقين وبرميلين جاز، نقصد بالرأس رأس الشاحنة الساحبة وليس رأساً آخر.
قالت وزارة النقل إنّ شوارع البلاد المُعبّدة أي المُسفلتة غير مُهيأة للحُمُولات الثقيلة، بعبارة ثانية أنّ الشاحنات ذات المَقطورتين )التِّرلتين( تَسَبّبت في تخريب شوارعنا التي تشكو من رِقّة الحال عليه لا بُدّ من توقفها، فرفض أصحاب الشاحنات هذا الكلام وأصَرُّوا على التِّرلتين واستمر الجدل وقتاً طويلاً إلى أن جاء الوزير مكاوي محمد عوض الذي أصرّ على الشاحنة الواحدة وقدّم دفوعات اُعتبرت مُقنعة في مراحل صنع القرار، فأجازه مَجلس الوُزراء ثُمّ المجلس الوطني ووقّع عليه رئيس الجمهورية فأصبح قَانوناً سَاري المَفعول، وهذا يَعني أيّة شاحنة تسير بترلتين تُعتبر مُخالفة للقانون وَيجب على شرطي المرور أن يوقفها فوراً ويغرِّم سائقها.
أما غرفة الشاحنات قطعت القرار في )حنانها( وامتثلت لحكم القانون، فمنهم من أحضر رؤوساً جديدة للترلات الثانية، ومنهم من تكّل الثانية وبعمل بالترلة الواحدة!
)2(
هذا العام أكرم الله تعالى البلاد بخريفٍ نَاجحٍ وهذا يَعني إنتاجية عالية في مَحاصيل الصّادر، وهذا يَعني أنّ الحاجة للنقل أصبحت زائدة، فرأي أهل الصادر ولزيادة سُرعة النقل وتقليل التكلفة الرجوع للمَقطورتين، ولكن بدلاً من التّفاهم مع أصحابهم أهل النقل لجأوا للحكومة مُباشرةً، فأصدر السيد رئيس الوزراء قراراً بعودة المقطورتين خوفاً على المُوسم، فاحتجت غرفة النقل، ذات الغرفة التي اعترضت على مكاوي أصبحت الآن تدافع عن قرار مكاوي، في تقديري أنهم وجدوا الحكاية )ماشّة معاهم باسطة( ولكنهم قدّموا دُفُوعات أُخرى، وَلَعَلّ أهمها أنّ سرعة النقل وقِلّة سعره تتوقّف على عوامل كثيرة أخرى لا تُشكِّل الشاحنة إلا جُزءاً يسيراً منها وقالوا كذلك إنّ هُناك إغراقاً في قطاع النقل، وإنّ الحكومة تعامله بجفوةٍ بائنةٍ أو على الأقل لا تحس بقضاياه، وقالوا إنّهم بالرأس الواحد على استعدادٍ لنقل كل الصّادر إلى بورتسودان وفي الوقت المَطلوب، المُهم في الأمر أنّهم تَمسّكوا بالقانون السّاري، يبدو أنّهم امنوا بالمثل الشعبي السوداني )كتِّر السفر وقلِّل الرحل( الرحل هو الحمولة.
)3(
اجتمعت غرفة الشاحنات بالسيد رئيس الوزراء وقدّمت دفوعاتها، ولكنه خاطب فيهم الخوف على ضياع صادر هذا العام، فتوصّلوا لاتفاقٍ على أن تعمل المقطورتان في الصادر فقط ولمدةٍ مُحدّدةٍ جنباً إلى جنبٍ مع المقطورة الواحدة وهذا يعني أنّهم قبلوا بالأمر الواقع أي قطعوها في )حنانهم(، فعلوا ذلك لأنّهم لا يُريدون أن يكونوا سَبباً في أيِّ فَشَلٍ قد يَحدث للصّادر، ثُمّ أنّهم يُراهِنُون على أنّ تجربة الترلة الواحدة أجدى من الاثنين وهذه فرصة ليرى الجميع صواب المثل )كتِّر السفر وقلِّل الرحل( وكلها ثلاثة شهور و)تتعدّى ونقعد نَحْسِب في المُـدّة( كَمَا غَنّى زيدان.
)4(
في تقديري، إنّ ما تَمّ صيغة )مُباصرة( سُودانية مَحمودة، ولكن قانونياً يُمكن لشرطي المرور أن يوقف أيّة شاحنة بمقطورتين.. كَانَ ينبغي أن يُصدر قانونٌ كامل الدسم يلغي القانون السّابق، فمَع تَرحيبنا بعودة الترلتين ولأسبابٍ اقتصاديةٍ، إلا أنّ دولة القانون أحبّ إلينا.. نعم الثورية مَطلُوبة في كَثيرٍ من الأحيان ولكن طالما أنّ هُناك سعة لتَغيير القَانون، فَينبغي الرُّكون إليه حتى تستقر المُعاملات في بلادنا.
)5(
غداً إن شاء الله وعلى ذات مَنوال الأشياء الصحيحة بوسائل غير صحيحةٍ نتوقّف عند قرار حكومة ولاية الجزيرة، التي سَعّرَت القطن سعراً مُناسباً أعجبنا جِدّاً كمُزارعين، ولكن ليس من حقها ذلك.. إنّه عَطاء من لا يَملك لمن يَستحق وتصبحون على دولة قانون..!