مخاطر الأمية من القضايا التي يجب أن تؤرق مضاجع الجميع.. ولكن غير منسقية الخدمة الوطنية التي تتحدث بين والآخر عن مشروع محو الأمية – كأحد مشاريعها – فليست هناك جهة تؤرقها مخاطر هذه القضية.. ويوم الخميس الفائت، مخاطباً ملتقى منسقي وقادة مناطق التجنيد، أعلن المنسق العام للخدمة الوطنية ياسر عثمان عن خروج ست ولايات – وما يزيد عن خمسين محلية – من الأمية بنهاية هذا العام، وخروج كل الولايات في العام 2020.
:: نأمل ذلك، ولكن الأرقام التي تكشفها وزارة التربية والمنظمات الدولية تشير إلى أن حجم الأمية (غير مطمئن)، وأن هناك جهات أخرى غير الخدمة الوطنية – رسمية ومنظمات مجتمع مدني – يجب أن تشارك في مشروع (محو الأمية).. قالت وزارة التربية والتعليم أكثر من مرة إن معدل الأمية في البلاد يقارب عشرة ملايين مواطن، أي ثلث سكان السودان تقريباً.. وبالمناسبة، أكد آخر تقرير مشترك ما بين منظمة اليونسيف ووزارة التربية أن أكثر من ثلاثة ملايين طفل في بلادنا لا يتلقون تعليماً بالمدارس.
:: أكرر، أكثر من ثلاثة ملايين طفل لا يتلقون تعليماً، وتتراوح أعمارهم ما بين (5 و13 سنة)، وما هؤلاء إلا مشاريع أمية في المستقبل القريب.. وقال التقرير إن أماكن الرُحل ثم المناطق المتأثرة بالحرب والفقر والنزوح هي التي تشكل أعلى نسب تسرب الأطفال من المدارس.. وبعد نشرها لكامل التقرير، وصفت اليونسيف سلطات التعليم في بلادنا بالشجاعة، لأنها وافقت على نشر نتائج التقرير وتلك الأرقام المحزنة.. فالسلطات ليست شجاعة ولا يحزنون، ولكنها تُدمن (الشحدة) بمثل هذه التقارير.
:: ولكي لا ننسى، عندما تقول وزارة التعليم إن معدل الأمية يقارب عشرة ملايين مواطن، نعيد تذكيرها بأنها رصدت لثلاث سنوات (مليار جنيه)، ثم أطلقت ما سمّته أكبر حملة لمحو الأمية في السودان، وقالت إن الحملة تستهدف القضاء على الأمية خلال خمس سنوات، مضت منها ثلاث سنوات، لتبقى الأسئلة المشروعة: ما مصير هذه الحملة؟ وهل أثمرت بحيث تقزّمت نسبة الأمية إلى نصف ما كانت عليها، ناهيك عن القضاء عليها كلياً؟ وهل هناك سلطات رقابية تتابع مراحل التنفيذ وتحاسب؟
:: ومع التقدير لجهد منسقية الخدمة الوطنية ومشروعها القومي، إلا أن مكافحة الأمية بحاجة إلى إرادة تضع خطة تبدأ بتقزيم نسبة تسرب الأطفال من المدارس لحد (الصفر).. فالاعتراف الحكومي بوجود (3.000.000 طفل) خارج فصول المدارس، ثم الاعتراف بمعدل الأمية (10.000.000 مواطن)، ما هو إلا اعتراف بالفشل والعجز.. فالتعليم كان يجب أن يكون إلزامياً ومجاناً وبالقانون الرادع، وهذا هو المدخل الصحيح لمحو الأمية في الحاضر والمستقبل.
:: ولن يكون التعليم مجانياً ولا إلزامياً في مناخ يشجع المدارس الخاصة بحيث تحل محل المدارس العامة، وهذا ما يُسمى بنهج الهروب من المسؤولية.. ولا معنى لتعليم بضع مجموعات من الكبار (فك الخط)، بيد أن الآلاف من الصغار يشكلون سنوياً بحيرات الجهل والأمية لعجزهم عن الالتحاق بالمدارس بسبب الحرب والفقر والنزوح أو لتسربهم من المدارس لضعف الرقابة ورداءة البيئة المدرسية، أو لافتقار مدارسهم للمدرس والكتاب.. و..و..