صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

تسويات ومحاكمات غير عادلة

12

من الاخر
اسماء محمد جمعة
‏‏‏‏تسويات ومحاكمات غير عادلة

‏‏
بعد أن دمر الفساد السودان وأصبح على باب الله، ولم يعد للشعب والعالم حديث غير فساد السودان والعياذ منه، بدأت الحكومة تبحث عن بعض كوادرها الذين كونوا ثرواتهم حين غضت الطرف عمداً عن تجاوزاتهم، وغيبت الشفافية والرقابة والحساب والعقاب من أجل تمكينهم، وتمكنوا فعلاً، فصعد الكثيرون سلم الثراء الفاحش دون وجه حق بكل سهولة، وحتى تسكت الشعب أو تشغله عن الحديث عن الفساد، بدأت إجراءات شكلية ضد بعضهم انتهت بمحاكمات أو تسويات أقل بكثير مما كسبت أيديهم، مع أنَّ الحق العام لا يقبل التسوية أبداً، ولكن الحكومة دائماً تترك باب الود موارباً بينها وبين أبنائها حتى يخرج الواحد منهم شبه برئ من تهم الفساد.
قبل فترة رفعت الحكومة الحصانة عن عضو البرلمان رجل الأعمال فضل محمد خير لاتهامه بقضايا مختلفة تحت مواد مكافحة غسيل الأموال والنقد الأجنبي، وتوصلت معه مؤخراً إلى تسوية كما ذكرت صحف الأمس، حيث دفع فضل مبلغ )500( مليون جنيه فقط )مليار بالقديم( فوراً بشيكات معتمدة ودفع )10( ملايين دولار قيل إنه قام بتوريدها بالفعل في حساب بنك السودان، كما تنازل عن كافة أسهمه في شركة السلام للأسمنت ونسبتها )30%( وقيمتها السوقية في حدود )30( مليون دولار .
أعتقد أنَّ هذه التسوية غير عادلة تماماً إن كان فضل مداناً أو بريئاً، وترسل رسالة مبشرة إلى كل أثرياء الفساد أن لا تقلقوا فالحكومة التي سهلت لكم طريق الثراء لن تقسو عليكم من أجل الشعب والوطن،وتطمئن كل من اغتنى من الحق العام أنَّ العدالة لن تطاله بقدر جرمه، وتعطي الآخرين الضوء الأخضر ليغتنوا من الحق العام ويربحوا وقتما وجدوا الفرصة ولن تأخذ منهم غير القليل .
عموماً فضل محمد خير ليس وحده من وجد هذا المناخ الذي فرش له طريق الثراء بالسهولة واليسر فهناك كثيرون مثله، بعضهم موظفون وبعضهم رجال أعمال نساءً ورجالاً، وهذه التسويات والمحاكمات الصورية لا تعالج المشكلة أبداً، ومع عدم وجود المراقبة والمحسابة والعقاب فإن حرامية الحق العام لن يترددوا في الاستيلاء عليه وقتما وجدوا الفرصة حتى في ظل حملة الفساد المزعومة .
الآن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا عن الآخرين الذين أصبحوا أثرياء جداً من الحق العام، وإن كانت الحكومة صادقة في حرب الفساد وتطهير الدولة عليها محاسبة كل أثريائها على مدى 3 عقود، وتتبع مصدر ثرواتهم وأن تصادر أموال كل من يثبت أنه قد جمع ثروته نتيجة تسهيلات، أو تجاوزات أو استغلال للقانون والسلطة أو التهرب الضريبي، أو غيرها وتحكم عليهم بأحكام رادعة مثلما يفعل كل العالم، فهؤلاء لا يصلحون للتواجد في مجتمعات بشرية .
الشعب السوداني الآن لديه اعتقاد راسخ بأنَّ كل الذين اغتنوا في ظل الإنقاذ قد استولوا على الحق العام بشكل مباشر أو غير مباشر، مالم يثبتوا العكس في محاكمات علنية وليس تسويات،أما تسويات الحكومة ومحاكماتها فهي مجرد عروض وخدع تثبت أنها غير مستعدة وغير جادة تماماً في إرجاع أموال الشعب، كما أنها تقبل بمثل هذه التسويات البسيطة لأن هناك آخرين لا تستطيع محاسبتهم فتجامل هؤلاء من أجل أولئك بتسويات ومحاكمات غير عادلة،ويظل باب الفساد مفتوحاً على مصراعيه وشعب الوجعة قاعد يتفرج.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد