بقدر الأحلام والآمال التي حلقت في شارع القصر والشوارع المحيطة وشوارع مدن أخرى، تنوعت وتعددت كذلك الهتافات التي رددها المتظاهرون والشعارات التي لوحوا بها عاليا يتصدرها علم السودان، وشكلت نسيجا باهي الألوان ومثلت مزيجا ثريا، عكس الحس الإبداعي والنقدي للثوار والثائرات من الشباب باختلاف انتماءاتهم الثقافية والاجتماعية، وكان هذا دأبهم وديدنهم منذ بدء الاحتجاجات الرافضة للانقلاب، تفننوا في اطلاق الشعارات والهتافات المبدعة، كيفما كان الحال الداعي لاطلاقها، وعلى رأسها شعار الثورة المركزي (حرية..سلام وعدالة)، ولعل أبرز وأشهر الهتافات التي ظل المتظاهرون يرددونها في كل المواكب التي أعقبت انقلاب البرهان بما فيها آخرها موكب 19 ديسمبر، كان هو الشعار والهتاف المطالب باسقاط الانقلاب وذهاب ورحيل منفذيه وعلى رأسهم بالطبع البرهان، وسيظل رحيل الانقلابيين هو المطلب الذي يتمسك به الشارع والثوار الى ان يتحقق بالدفع الثوري، ولا يتوهمن انقلابي بأن هؤلاء الثوار سيستيأسوا ويهنوا فيذعنوا للأمر الواقع، فقد أثبت هؤلاء الثوار بيانا بالعمل منذ انطلاق الحراك الثوريٍ لثورة ديسمبر والى يوم الثورة هذا، انهم بالفعل (الجيل الراكب راس)، لا يستكينون ولا يهدأ لهم بال ولا يخيفهم الرصاص الى ان يحققوا مبتغاهم في ثورة تغيير شاملة ومتكاملة، وهل ينتكس ويتخاذل ويخاف من كان هتافهم الداوي (الطلقة ما بتقتل بقتل سكات الزول)، و(دم الشهيد بكم، ولا السؤال ممنوع)، و(دم الشهيد ما راح لابسنو نحنا وشاح)، وغيرها من هتافات وشعارات ثورية تسترخص الروح اغلى ما يملك الانسان من أجل التغيير..
الجديد في شعارات وهتافات الثوار ما بعد انقلاب البرهان، هو تلك الهتافات والشعارات الموجهة لقائد الانقلاب البرهان شخصيا، مطالبة برحيله هو وانقلابييه من مدنيين وعسكريين، ويبدو اصرار الثوار على انجاز مطلبهم هذا وعدم التنازل والنكوص عنه، واضحا في سيماء وجوههم ونبرات هتافاتهم الغاضبة، ولن يرتاحوا ولن تتوقف مليونياتهم الاحتجاجية حتى بلوغه، ولم يبق أمام البرهان وتابعيه أمام هذا العناد والاصرار الثوري العنيد الا ان يتنحوا ويغادروا المشهد السياسي الى الثكنات، حيث مكان وجودهم الطبيعي ليؤدوا ما عليهم من أدوار وظيفية ارتضوها بنفسهم، فكما للطبيب مهمة ووظيفة محددة، وللمهندس والمعلم والتاجر والعامل والمزارع والراعي الى آخر المهن والوظائف، أدوار ومهام ووظائف محددة ومعروفة، كذا الحال بالنسبة للجنود والعسكر لهم مهام موصوفة ومعروفة، ليس من بينها ممارسة السياسة والخوض في الصراعات السياسية من أجل الحكم، فرسالة الثوار التي بعثوا بها من خلال مليونية التاسع عشر من سبتمبر الحاشدة، قوية وواضحة لا لبس فيها أن ارحل أيها البرهان وغادر المشهد السياسي، فهل يا ترى سيستوعب الرسالة ويستجيب ومن معه من انقلابيين لصوت الشارع الرافض لهم، أم يحتاج لهتاف آخر كالذي ردده من قبل ثوار مصر في وجه رئيسهم المخلوع حسني مبارك (إرحل يعني إمشي، إنت ما بتفهمشي)..