اثبتت مواكب الأمس ان ثورة ديسمبر المجيدة ، هي أم الثورات وصاحبة الدروس والعبر ، وان الشارع الثوري ، هو من يملك القرار ، والوصفة السحرية لما يجب تقديمه على طاولة المشهد السياسي ، دون مراعاة رغبة أحد ، هذا الشارع لا يقدم ما يطلبه زبائن السياسية ، ولايرضي ذائقة أحد ، لايقدم إلا مايليق به ويتوافق مع مبدأ الثورة ومطالبها واهدافها ،، يعرف ماذا يريد ، كيف ومتى كانت مواكب الأمس في مدن العاصمة الثلاث حالة تشرح وتبرهن ان قرار الحرية والديمقراطية ومستقبل هذه البلاد ، لايملكه الا الشارع ، وخاسر من يدير ظهره عن الشارع .
قصدنا بالأمس أن نكون جزء من مواكب عريضة ضمت الكلاكلات وجبرة والصحافات ومنطقة الديم وغيرها ، تمركزت في تقاطع محطة (٧) ولم نندهش لقيمة الوعي والخطاب وطريقة الهتاف الموزون والمدروس والمطروح بعناية لأننا كنا نظنه ونحن نتوكأ على الثقة ، ابرز الخطوط العريضة للافتات ، ( دارفور تنزف السلام وينو ) ، ( احداث جبل مون الدم السوداني واحد ) ، رسالة تذكير من جديد لقادة السلام الذين لم يحققوا لأهل دارفور شي منه ، وكأنما جاءت بهم الثورة لهزيمتها .
صور شهداء ثورة ديسمبر وشهداء مابعد الانقلاب تصدرت المشهد وهتفت المواكب ضد المجلس العسكري ، وكان لقائد الجيش ورئيس المجلس السيادي الفريق محمد حمدان دقلو ، نصيب الأسد من الهتاف الساخط ، ادانت انقلابهم الباطل على الثورة ، وجرائهم غير المغفورة ، ورفضت الجلوس معهم وطالبت بالقصاص الفوري للشهداء وشيعت احلام العسكر في حكم هذه البلاد للأبد ، ودوت الأصوات أن لا منافذ وبوابات للهروب من العقاب والحساب .
لكن مالم يتوقعه فلول النظام المخلوع ان مواكب الأمس كانت لهم بالمرصاد ، مثلما كانوا لها ترصدا وتربصاً ، خيبت امالهم وقتلت فيهم الروح المعنوية العالية ، التي كانت تواقه ان ترى مشهداً آخر ، لكنها ثورة الوعي جلدتهم بسياط الهتاف أن لامكان لهم بعد الآن وأن لامجال للنيل من الثورة .
كنا تلاميذ بالأمس نستمع لهذه الدروس المباشرة ، من الثورة ، وشرفت المواكب بالأمس كل من يؤمن بالثورة والوطن ، وخذلت كل من جاء لنصرة جهة او كيان ، وقالت كلمتها انها لاتسمح بالأخطاء أن تستمر، ولكنها في ذات الوقت اكدت أن لا احد يملي عليها رأيا او كلمة ، وانها على طريقها وطريقتها ، ولا مجال للانحراف عن مسارها الذي رسمته منذ البداية .
لكن هذه المشاهد العظيمة من الثورة كان لابد ان تفسد روعتها الجهات الأمنية والشرطية ، التي تعاملت مع المواكب بطريقة غير لائقة ، الامر الذي خلف عدد من الإصابات في مدينة امدرمان ، باستخدامها المفرط للغاز المسيل للدموع ، الشرطة التي ينفي قائدها مانسب اليه من قتل المتظاهرين ، بعد الانقلاب ، ظناً منه ان يخدم البرهان ، ليأتي قائد الانقلاب نفسه ويتهم الشرطة بقتل المتظاهرين ، فهل هذه الحقيقة ، ام ان هدفه وحرصه لتبرئة الدعم السريع دفعه الي حد اتهام الشرطة هذا مانتحدث عنه غداً .