أول القصيدة كفر، هو العنوان اللائق للتعبير عن الأيام الثلاثة التي أعقبت توقيع (البرهان حمدوك) على اتفاقهما السياسي، وأول القصيدة كفر مثل مصري يردده جميع أفراد الشعب المصري بمختلف طبقاته، بل أيضاً يتردد في بعض الدول والمجتمعات العربية، ويقال هذا المثل عندما يبدأ شخص ما كلامه بشيء غير منطقي، فيرد عليه آخر معترضا، ويقول له أول القصيدة كفر، وحكاية هذا المثل الشعبي، والذي انطلق من أرض مصر، تقول لما جاء جوهر الصقلي مصر بأمر المعز لدين الله، وبني القاهرة والقصر الكبير، وجاء المعز واستقبل كبار الناس في القصر.سأل رجل من بين الناس أيها الملك عرفنا أنك من بيت النبوة فمن يكون حسبك ونسبك؟ فأشار المعز لصندوق العطايا وقال هذا حسبي، وأشار الي سيفه وقال هذا نسبي، وكان بين الحضور الشاعر ابن هانئ الأندلسي فأنشد قصيدة في مدح المعز قال فيها..
ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ
فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
و كأنّما أنتَ النبيُّ محمّدٌ وكأنّما أنصاركَ الانصارُ
أمُعِزَّ دينِ الله إنّ زمانَنا بكَ فيه بأوٌ جلَّ واستكبار
ها إنّ مِصرَ غداة َ صرْتَ قَطينَها
أحرى لتحسدها بك الأقطار..
ولما سمع المصريون القصيدة، والتى بها العديد من المبالغة في مدح المعز، ورفع مرتبته لدرجة الذات الإلهية، قالوا (أول القصيدة كفر)، وبذلك سارت مثلا يقال ويتداول حتى يومنا هذا..
وعلى غرار مثل (أول القصيدة كفر)، يمكننا القول فى (اتفاق البرهان حمدوك) أول الاتفاق كفر، فرغم أن البعض هلل له وامتدحه بمثل مدح الاندلسي للمعز، الا ان الاتفاق ورغم مرور ثلاثة أيام عليه لم ينجز فيه حتى أبسط وأسهل بنوده، وهل يحتاج اطلاق سراح المعتقلين بأمر الانقلابيين سوى جرة قلم أو مهاتفة من بضع كلمات لاطلاق سراح جميع المعتقلين في كافة أرجاء البلاد، وهل يحتاج الغاء الطوارئ الا لمثل ذلك، ولكن للأسف ما يزال الكثير من المعتقلين في الحبس، كما لا تزال الطوارئ قائمة لم تلغ، وهذا فأل سئ ربما يشير الى أن القادم قد يكون أسوأ، وكان المأمول لبناء الثقة مع حمدوك نفسه التي زعزعها الانقلاب، ان يبادر الانقلابيون وبمجرد اطلاق سرح حمدوك وتوقيعه للاتفاق، ان يتم بمقتضى الاتفاق نفسه اطلاق جميع المعتقلين بلا استثناء وبلا ابطاء ولا (لولوة ولف ودوران)، وهذا ما كان يجب فعله مع الطوارئ، ولكن حتى اليوم لم يتم لا هذا ولا ذاك، والمنطق يقول اذا كان أسهل وأبسط بنود الاتفاق ما تزال تشهد تلكؤا متعمدا، فما بالك بالبنود الأخرى..الراجح انها لو عوملت بذات النهج فان هذا الاتفاق سيبقى بلا قيمة، ولن ينجز شيئا ولن يعالج الأزمة التي زعم علاجها.