بدءاً لابد لنا من التنديد بالقرار الأهوج الذي جاء على طريقة (حنوريكم المكشن بلا بصل) انتصارا للذات، وقضى بسحب الحراسات الأمنية من كل مرافق لجنة ازالة التمكين وكل المرافق المصادرة، قبل أن يتراجع مصدر القرار وتعود الشرطة لوحدها دون المكونات الأخرى لها التحية لتأمين هذه المقار، ثم من بعد ذلك نقول أن لجنة ازالة التمكين باقية ما بقيت الثورة، وباقية ما بقيت الوثيقة الدستورية، ولن تحل أو تزول الا باجهاض الثورة بالانقلاب عليها وتمزيق الوثيقة الدستورية المنشئة للجنة، وستظل لجنة التفكيك تؤدي مهمتها الوطنية العظيمة في تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن وتخليص رقبة البلاد من تحت ابط النظام المباد التي أطبقت عليها، ولكن من الجائز جدا بل الحادث فعلا أن تقع اللجنة في بعض الأخطاء التي توقع الظلم ببعض الأبرياء، مثلها مثل أي جهد بشري، وقد قالها المسيح عليه السلام في قصة المرأة المتهمة بالفاحشة (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر)، ولهذا لابد للجنة أن تعمل بذات الدأب الذي تصدر به القرارات، على مراجعة هذه القرارات لتراجع أخطاءها وتصححها أولا بأول وبأعجل ما يمكن دون أن تتراجع عن مبادئها، بل في ذلك تأكيد على أنها لا تتشفى ولا تنتقم ولا تستهدف الا الفاسدين والذين نالوا حقوقا لا يستحقونها أراض كانت أو أموال أو وظائف الخ، وما يطمئن في هذا الصدد أن قيادات لجان التمكين على مستوى القطر اعترفت علانية وعلى رؤوس الأشهاد بأنهم قد يكونون عرضة لارتكاب اخطاء هنا وهناك، ولكنهم لن يستنكفوا أو يكابروا في عدم مراجعة اخطائهم، وهذا هو المراد احقاقا للحق وحتى لا يؤخذ البعض ظلما، وقد أكد على هذا المعنى أيضا كل القيادات السياسية بلا استثناء..
سبقني بالأمس الزميل الحبيب عبد الحميد عوض مطالبا لجنة ازالة التمكين بضرورة مراجعة قراراتها الخاطئة والتراجع عنها، واتخذ عبد الحميد من مفصولي وكالة السودان للأنباء البالغ عددهم (79) مثالا فقط لبعض القرارات الخاطئة التي طالت آخرين في مواقع أخرى، وخص بالذكر من بين مفصولي الوكالة الزميل محمد عثمان آدم، ونحن اذ نضم صوتنا لصوت الزميل عبد الحميد بضرورة مراجعة القرارات الصادرة بحق الزملاء في سونا، فاننا كذلك نشير لضرورة مراجعة أي قرار أوقع ظلما على أي فرد وفي أي مكان، ونشير بالاسم لزميلة عزيزة نعرفها معرفة حقة منذ ست سنوات طالها قرار نقول أنه ظالم بحكم معرفتنا اللصيقة بها، وهي الزميلة الاعلامية نجاة عبد الرحيم الموظفة بأراضي مدني، ولأن هذه المساحة لا تسع لاستعراض قضيتها العادلة والانسانية، فاننا نثق في أن لجنة ولاية الجزيرة اذا ما راجعت ملفها بكل تجرد ستنصفها لا محالة، ونثق أيضا ان كل لجان ازالة التمكين تربأ بنفسها من أن تكون صورة من ممارسات النظام البائد الذي شرد وفصل الآلاف من الموظفين في كل القطاعات بسيف (الصالح الخاص) الذي سمي زورا بالصالح العام، لافساح المجال واسعا للاطباق على الخدمتين المدنية والعسكرية بتطبيق سياسة التمكين، فاحتشدت كل الدواوين والمناطق والوظائف الحساسة والمهمة في الدولة بكوادر الحركة الاسلامية، دون مراعاة للكفاءة أو المؤهلات، ومن تلك الممارسة القميئة للنظام البائد استحضر دائما مثال فصل البروف المرحوم فاروق كدودة من جامعة جوبا، حيث كان تبرير مدير جامعة جوبا وقتها لقراره الظالم ذاك، بقوله اني رأيت في المنام أني أفصله ففصلته، وخاض كدوده صراعا طويلًا في المحاكم، انتهى بصدور قرار بإعادته للجامعة، ولكن كدوده تقدم باستقالته في اليوم التالي لصدور الحكم الذي أنصفه، وعندما سأله من استغربوا لاستقالته عن سببها، أجاب البروف بطريقته الساخرة (الله، يعني عايزني أنتظر لحدي ما يرى في المنام أنه يذبحني)..